شاهدنا شابا يعتدي على آخر بساطور عند إشارة مرور في أحد الطرق العامة بمدينة الرياض، غير مبال بنتائج الضرب التي قد تعيقه أو تقتله، وهذا مؤشر يقاس عليه مدى التدهور السلوكي والأخلاقي في شوارعنا، فنلاحظ بعض الذين يتجولون بسياراتهم لا بد وأن يحملوا معهم أداة يستخدمونها للضرب والإيذاء، وربما يصل النزاع إلى القتل في بعض الحالات، فهم أشخاص حولوا الشوارع إلى مجالات صراعية غير آمنة، وأصبحت شوارعنا جراء ذلك بيئة تحتضن كثيرا من ذوي الاعتلالات النفسية والسلوكية، فيما أن الفرد منهم يكون مبرمجا على توقعه بحدوث الصدام في الشارع، ما يجعله مضطرا للهجوم على الآخر أو الدفاع عن نفسه أمامه، بمعنى أنه على جاهزية لإلحاق الأذى بالآخر كفعل أو كرد للفعل، وحمل هذه الأدوات في الإطار التفاعلي للحالة يعد دليلا على مدى العدوانية أو الخوف الذي يسكنهم.
الاعتداء في الشوارع يعبر عن وجود قنبلة نفسية موقوتة ومحتقنة، وهي قابلة للانفجار في أي موقف مثير تتعرض إليه، وهذا يحتمل جانبا من جوانب انتشار الجريمة ذات الأسباب والدوافع المختلفة، بينما الفشل في التنشئة الاجتماعية يعد من أهم أسبابها، إضافة إلى الظروف المتعاكسة التي يعيشها المجتمع المعاصر، من حيث تقدير المال والسعي وراء النجاح المالي وغيره، وسنجد ذلك خلال التطلع في الظروف المحيطة بحياة المجرم على المستوى الأُسَري والاقتصادي، وفي مثل هذا الظرف يغلب التوحش على سلوك الفرد إلى جانب الغضب والإحباط حين لا يشعر بحقوق الآخرين طالما يدرك أنه محروم منها، ما يسهل عليه فكرة الاعتداء عليهم.
إذا رأينا الفرد يعتدي على من يواجهه في الشارع بالضرب والإيذاء، فإننا نستنتج وجود حالات فردية تنعدم لديها المسؤولية الجنائية، وهذه الحالة يتوقف الحكم فيها على مدى تحمل المسؤولية لما ينتج عن السلوك، بينما هو شائع لدى المصابين بالأمراض النفسية التي تؤثر على الوعي والإدراك والإرادة، بما يصاحبها من اضطرابات في الوعي والانفعالات، وبما أن المرض النفسي لا يعفي من العقوبة ويسهل الوقوع في الجريمة، فلا بد من إخضاع الفرد وبشكل دوري مع استخراج الرخصة أو تجديدها لفحص طبي يوضح مدى خلوه من الأمراض والعلل النفسية والاجتماعية، وهنا يتم اختبار سلوكه فيما يمنع من القيادة إذا ثبتت عليه التجاوزات سواء كان عاقلا أو مختلا، كذلك التعميم الأمني والمتكرر بمنع حمل هذه الأدوات والتحذير بالعقوبة لمن توجد لديه.
هذا الاستعراض للأسباب والدوافع لا يعني تبرير السلوك الإجرامي للمجرم وإنما احتواء هذه المشكلات والسعي إلى حلها، لأن الظاهرة ستكون أكثر تناميا كلما غابت الأساليب والقوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية وتعزز الروابط الانتمائية لهدف عام يحقق الاستقرار والأمن ومستوى أساسي من متطلبات التحضر.