قريبا من قرية "المشوّف" التابعة لمركز مدينة " الشقيري" وعلى ضفة وادي ضمد الشمالية، في منطقة جازان، تشكلت حضارة، وحياة لم يبق منها سوى كتابات ونقوش كثيرة على الأحجار وبقايا قبور وأساسات مبان قديمة وآثار سدود. غير أن هذه الآثار الثمينة، تعرضت للتدمير، بحسب الكاتب الروائي عمرو العامري، الذي كشف لـ"الوطن" عن استئجار أحد الأفراد لعمالة مجهولة، نفذت تدمير الآثار واقتلاعها في محاولة للبحث عما تحتها من كنوز مزعومة تحتها، لقد دمرها جميعا. وعن القيمة العلمية لهذه الآثار تابع العامري قائلا: "عندما كنا صغارا كنا نسمع الرعيان الذين يذهبون بعيدا بمواشيهم يقولون إنهم وصلوا اليوم "امحجر امكتوب" أي الحجر المكتوب، وهو مجموعة أحجار جرانيت سوداء نقشت عليها كتابات ورسوم قديمة بخط المسند أو العربي القديم، هذه النقوش والرسوم السبئية القديمة قاومت كل التحولات المناخية والجولوجية وبقيت، ولكنها لم تصمد أمام جهل الإنسان، صمدت أكثر من ثلاثة آلاف عام، وجهل الإنسان لم يستلزم منه سوى صبيحة من نهار ليدمر كل شيء وإلى الأبد.

وبعيدا عن حكاية التدمير بحجة البحث عن الكنز، يقول العامري: "آخرون يرون أن ما حدث ليس أكثر من ستار لبعض الطيف الذي نعرفه والذي لا يرى في هذه الآثار سوى آثار جاهلية وبدعية ويجب تدميرها رغم أنها لم تكن أكثر من كتابات ونقوش، والحقيقة ربما لدى الجهات الأمنية وعلى كل حال فقد أتلفت وانتهت. 




تنبيهات سابقة

عن بداية التدمير يواصل العمري حديثه ذاكرا: ظلت هذه الآثار محمية بالعزلة وصعوبة الوصول إليها، ولم يكن يصل إليها سوى الرعاة والمحتطبين. وعندما بدأ يمر قريبا منها طريق السيارت امتد إليها عبث الإنسان بالتكسير والكتابة والاقتلاع، وقد تناقل البعض أساطير أن نبي الله سليمان كانت خزائنه هنا ..وكان البعض يظن أن تحت هذه الآثار كنوزاً وجواهر..رغم أنها تبدو لكل عاقل ليست أكثر من كتابات ونقوش على الصخور. وحينها قام مدير الآثار بمنطقة جازان الدكتور فيصل طميحي بالتنبيه على خطورة ما يتهدد هذه الآثار والتي يظن أن عمرها قد يعود إلى العصر الحجري، لكنه يضيف أن مثل ذلك بحاجة إلى التدقيق.

وأبلغ بلدية محافظة ضمد التي تتبع لها هذه المنطقة واقترح تسويرها وحمايتها، وأشار أيضا إلى الكثير من الآثار في المنطقة بحكم تخصصه في هذا المجال، كان ذلك منذ ثمان سنوات.


 





حضور متأخر

بعد حدوث الفاجعة تشكلت لجنة من مركز محافظة "الشقيري" التي تتبع لها منطقة هذه الآثار ومن جهات أمنية أخرى بما فيها بلدية ضمد التي خوطبت منذ ثمان سنوات للوقوف على التدمير وعلى التحقيق والتحري..وكان هذا الحضور متأخرا جدا، فقد دمر كل شيء ولا يمكن إعادة اللحظة إلى الوراء وفقد وإلى الأبد حضارة قاومت الزمن واليوم تمحى.وعمن هو المسؤول يرى العامري: الحقيقة الأليمة التي يجب أن نعترف بها هي أن من قام بالتدمير ليس هذا الجاهل ولا الجهات التي قد تقف خلفه، ولكن كل المجتمع الذي لا يعرف القيمة الفعلية لمثل هذه الآثار ودلالاتها والتي تضرب عميقا في التاريخ والتي تؤكد أيضا أن ابن هذه الأرض ليس طارئا وأنه عرف الخط والكتابة ربما قبل حواضر كثيرة من العالم حتى وإن لم ينصفه التأريخ.

واليوم لن يصل الرعيان إلى الحجر المكتوب مهما أوغلوا بين أشجار الدوم والبردي لأنه لم يعد من شيء مكتوب هناك.


 


السياحة: رفعنا ما تبقى

الحجر المكتوب وعطفا على النقوش فإن تاريخ الموقع يعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وفيها إشارة إلى مدنية جنوب الجزيرة العربية، كذلك يعود تاريخ الموقع إلى الفترة الإسلامية بحكم وقوع جبل المكتوب على طريق الحج القديم بين اليمن ومكة المكرمة والمعروف باسم الجادة السلطانية، وتمت التوصية برفع ما تبقى من الأحجار المكتوبة وحفظها في متحف صبيا.


رستم الكبيسي

مدير فرع هيئة السياحة والتراث الوطني بجازان