(عبدالعزيز الربيع) المربي والأديب والناقد، وعضو أسرة الوادي المبارك الأدبية في المدينة المنورة وأحد مؤسسيها، كان يتمنى على الله أن يفسح في أجله كما أفسح في أمله، وأن يهيء له من الأمور المادية ما يعينه على أن يحقق موسوعة (الحج في الأدب العربي)، فقد أثار هذا الركن العظيم مشاعر المسلمين وهز وجدانهم كما يقول الربيع، وأهاج أشواقهم فكتب علماؤهم وشعراؤهم وكتابهم وأدبائهم أدبا ساميا وشعرا رفيعا وفنا راقيا وثقافة واسعة، ونشأ من هذا الإنتاج الزاخر على توالي العصور تراث فكري ملأ ما لا يحصى من الكتب والمجلدات، وبرز قسم منه إلى عالم الطباعة، وبقي في بطون المخطوطات قسم آخر غير قليل، وضاع كثير من بين ما ضاع من كنوز المؤلفات ونوادر الكتب، بل لا نعدو الحقيقة والكلام لـ(الربيع) إذا قلنا إن بعض الكتاب من غير المسلمين من المستشرقين وغيرهم قد عنوا بالحج تصويرا وتاريخا، أو مناوأة ونقضا أو كليهما معا، فأثر الحج يمتد طولا وعرضا وعمقا، فيشمل كل عصور التاريخ العربي حتى بداية الإسلام ويشمل كل عصور الإسلام، ويمد نفوذه إلى كثير من الآداب الأجنبية الشرقية والغربية، ويؤكد الربيع -رحمه الله- أن أغلب ما كتب عن (الحج في الأدب العربي) لم يصلنا إلا ما اشتهر منه مثل: (في منزل الوحي) لمحمد حسين هيكل، و(الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف) لشكيب أرسلان، و(في الحجاز) لإبراهيم عبدالقادر المازني، و(الطريق إلى مكة) لمحمد أسد، عدا عشرات من الكتب ومئات من الفصول والقصائد، وما قاله الشعراء والبلغاء والخطباء والقادة، والتي تشكل جميعها ثروة ضخمة في الأدب العربي عن الحج، وهي وحدها تتطلب سنوات من الجهد الدائب والعمل المضني والدرس الطويل.

ها هي الأربعون عاما تنصرم منذ طرح (الربيع) فكرته وحلمه وأزهى أمنياته؛ في سبيل تحقيق هذه الموسوعة بكل مكوناتها التاريخية والثقافية والاجتماعية والجغرافية والعادات والتقاليد وحضارات الأمم، وما يتضمنه أدب الرحلات كرحلة ابن بطوطة، وابن جبير، والنابلسي؛ لتصبح وثائق تاريخية ومعرفية؛ لما تختزنه من مجسدات وأخبار وأحداث، ووقائع ومشاهدات من نسيج الحياة في تلك العصور، وما تحمله من معان ودلالات ومعتقدات وملكات وأنماط سلوك، قبل أن تتعرض للموات والضياع والاندثار والسكون.

يقول محمود المسعدي: "التراث ليس نصوصا جامدة تحفظ في أمهات الكتب القديمة بل هو الفكر الحاضر، يعيد الحياة للنص التراثي، ويزرع فيه روحا جديدة" وردت أمنية الربيع في كتابه (مقالات وتعليقات) من إعداد الأديب الباحث (محمد صالح البليهشي).