ولأن الجملة في الأصل واضحة لا تحتاج إلى أصولي للتفسير، فقد اختار معالي وزير العمل أن يحدد موقفه بالضبط وهو يقول في ملتقى رؤساء الغرف التجارية: جئت هنا لا بصفة الوزير بل كرجل أعمال. ودائماً ما يقف الرسمي من الحكومة (أية حكومة كانت على وجه الأرض) من البيزنس برؤيتين: الأولى، أن تقف في صف رجال الأعمال لأنهم من يفتح الفرص ويوفر الوظائف ويحرك دورة الاقتصاد ويخلق كوامن التوطين لملايين الفرص المشرعة أمام طالبي العمل. الثانية، أن يقف الرسمي مع الطبقات الاجتماعية الأدنى ومع قطاع الشارع العريض. الرؤية الأولى هي مسلك المحافظين والجمهوريين إيماناً أن – رأس المال – يأتي من رأس هرم المثلث، والرؤية الثانية، هي رؤية الليبراليين والنقابيين وأفكار يسار الوسط إيماناً أن الرفاه الاجتماعي ينبع من قاعدة المثلث.
معالي الوزير، يريد، أو هكذا قرأت، أن يقف مع الرؤية الأولى منطلقاً من قواعده المهنية التي أفصح عنها كرجل أعمال في جملته الشهيرة. لكنه للأسف الشديد، وبكل صراحة مطلقة، لا يقرأ من الرؤية إلا نصف المعادلة: طبقة رجال الأعمال وكل هيكل المال الخاص لم تكمل شروط الرؤية: لم تفتح الفرص ولم توفر الوظائف، ولم تخلق كوامن التوطين للمهنة أمام طالبي العمل. كل من قرأ نتائج اللقاء الصاخب بين رجل الأعمال الوزير وبين أقرانه من رجال الأعمال سيلمس تماماً أن اللقاء كان جولة ضغط وإقناع من التجار على معالي الوزير من أجل مزيد من أوراق التأشيرة، ومن أجل تسويف واستهزاء بقرارات السعودة.
صاحب المعالي يعرف أن هذا القطاع الخاص لا يدفع ريالاً واحداً من الضرائب، وأن هؤلاء الـ15% يستنزفون الخدمات العامة لبقية النسبة في الطرق والصحة وخدمات البنى التحتية وكوادر الإدارات الحكومية المختلفة التي قامت من أجل خدمة هذا القطاع. وأمام العشرات من رجال الأعمال نسي معالي الوزير أن يطلب كشف أسماء لمكفوليهم بعشرات الآلاف ليواجههم بكذبة السعودة.
أمام معالي الوزير، كان رئيس غرفة جدة يقول إن قرار سعودة الذهب قد هرب برأس مال الذهب إلى الخارج، دون أن يعلم رئيس أهم غرفة تجارية أن هذا القرار لم يكن سوى ماء أبيض على ورق. وأمام معاليه كان رئيس غرفة الشرقية يقول بالحرف: إنه مع هذه الطفرة التنموية الكبرى يجب تأجيل وإعادة النظر في قرارات السعودة. وإذا كنا لن – نسعود – في عز الطفرة فانتظروا أن نوظف آلاف العاطلين في ذروة الفقر. وإذا كان معاليه مثلما قال: رجل أعمال في عباءة وزير، فليبدأ من حيث يجب أن ينتهي: بنفسه ليكشف لنا أوراق المكفولين ونسبة (المسعودين) في سجلاته التجارية.