كل مغنٍّ هو غرس بلاده، ونبت أرضه، وهو واجهة تمثل موطنه الأصل، وتمثل لسان الوطن ولهجاته وألوانه، وطعمه ورحمه.
كل العراق بماضيها وحاضرها، بفرحها وحزنها، بتاريخها وجغرافيتها ومائها وسمائها، كانت تتشكل أمامنا ونحن نسمع أغاني سعدون جابر وقبله ناظم الغزالي.
كنا نشم بحر البحرين ونتحسس لآلئه في أصوات الشيخ والجميري؛ لأنهما يغنيان بلهجة البحرين، ونرحل في الإمارات كلما رحلنا في لسان ميحد حمد وهو يغني بلهجة الإمارات، ونذهب بعيدا في خارطة المغرب، ونحن نردد أغنية (مرسول الحب) لعبدالوهاب الدوكالي.
بنفس المسافة، كنا نحمل حقائب اللهجة، ونتسكع في حارات مصر، ونحن نسمع أغاني كبار مطربي مصر، المخلصين للهجتهم وهويتهم.
بنفس المسافة ذاتها، كنا نقاسم العمال اليمنيين المغتربين، وهم يرددون بلهجة يمنية خضراء، سمراء، مع فيصل علوي: كيف الحال يا مغترب؟ فكأنهم يعودون إلى اليمن من خلال اللهجة.
ما أريد إيصاله أن ميزة الفنان في محليته، وأن ما نسمعه الآن من تداخل لهجات في الأغاني أضاع الغراب وأضاع الحمامة.
مصري يغني بالخليجي، وعراقي يغني بالمصري، وو.. وكلهم لا يجيدون اللهجات، فتظهر مضحكة باردة لا روح فيها ولا فوح.