لعل مواصفات العريس المفضل للفتيات هي واحدة من المؤشرات المهمة لفهم بنية مجتمع ما في حقبة زمنية ما، وهو مؤشر يحمل في داخله معاني اقتصادية وثقافية واجتماعية.
في المدن السورية -لا سيما دمشق- في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين كان الحلاق هو العريس المفضل، من بين مجموعة الرجال الذين يعملون في المهن والحرف؛ لأن مهنته هي الأنظف، والأكثر دخلا؛ ولأن الحلاق كان يقوم بمهن متعددة أهمها الطب العربي، وبالتالي فكان له احترامه في الحي، وكانت الفتيات يفضلنه على غيره من المهن، ويرغبن في الزواج منه.
في مرحلة لاحقة، أي بعيد الاستقلال صار الموظف الحكومي (الأفندي) هو العريس المفضل، ثم حصلت بعض التنويعات على هذا التفضيل، ليصبح ضابط الجيش الأكثر تفضيلاً.
مع أواخر السبعينات من القرن العشرين صار العريس المفضل غير مرتبط بمهنة محددة، ولكن بمكان محدد، ليس مكانا ينتمي إليه، بل مكان يعمل فيه، ولا فرق بين مهنة أو أخرى، وكل من يعرف المجتمع السوري يعرف هذه المرحلة، وهي المرحلة التي كانت أم العروس تفاخر فيها نساء الحي حين تتحدث عن خطيب ابنتها وتقول بكل اعتزاز: إنه يعمل في السعودية.
ظلت هذه الهوية سائدة لزمن طويل، وتحولت مع الوقت إلى هوية كاملة لها مواصفات اقتصادية وثقافية واجتماعية، وصار الرجل الذي يعمل في السعودية مصدر أمان للفتاة ولأهلها، فحين يزوجون ابنتهم لشاب يعمل في السعودية، فهم يعلمون أن ابنتهم صارت بأمان، وأن هذا الرجل سيؤمن لها حياة كريمة، وأنها ستعيش مصونة بكل المعاني.
وقلما خلت أسرة سورية من أخ أو عم أو خال يعمل في السعودية، ومنذ سبعينات القرن الماضي توافد السوريون (ومثلهم المصريون واللبنانيون) إلى السعودية، شاركوا في نهضتها، وأسهمت هي في نهضتهم الشخصية، ملايين من السوريين عملوا بمهن مختلفة، منهم من عاش طويلا، ومنهم من عمل لبضع سنوات، أثروا في المجتمع وتأثروا به، نقلوا معهم كثيرا من العادات والتقاليد، وشيئا فشيئا صار المجتمع السعودي مألوفا في المجتمع السوري، وتقارب المجتمعان حتى صارت كثير من العائلات السورية تعد نفسها نصف سعودية.
حين بدأت الثورة السورية، كان هناك مئات الآلاف من السوريين -كما دائما منذ أربعين عاما- يعملون ويعيشون حياتهم هناك، ومع التداعيات التي حدثت في كثير من المناطق السورية، من قصف وتدمير وتهجير واعتقالات، لجأ كثير من هؤلاء المقيمين إلى جلب عائلاتهم، فبدؤوا بعائلاتهم الصغيرة (زوجاتهم وأبنائهم) أولا، ثم عائلاتهم الكبيرة (آبائهم وإخوتهم)، ثم الأبعد قليلا، فمن لديه عم أو خال ينتمي إلى منطقة تعرضت لقصف النظام أو بات ملاحقا من مخابرات النظام، حاول استقباله، وقد نجح كثيرون في إتمام ذلك، وفجأة وجدنا أن المملكة العربية السعودية تستقبل نحو ثلاثة ملايين سوري، بهدوء ودون ضجيج، دون أن تطلق تصريحات تطالب المجتمع الدولي بمساعدتهم، ودون أن تمنّ على أحد.
تراكم هذا العدد بهدوء وبطء، ووفق الضرورة والأولويات الواقعية بل شديدة الواقعية، وهذا العدد يكاد يعادل ما تستقبله الأردن ولبنان وتركيا مجتمعة.
هذا كلام واقعي وحقيقي، ويتضمن أرقاما لا تكذب، ولا ينكره إلا جاحد، وإن كان هذا العدد غير متداول في وسائل الإعلام؛ فإن ذلك مرده إلى أن المملكة لا تسمي هؤلاء لاجئين ولا تتعامل معهم كذلك، وأيضا لسبب آخر، وهو أن المملكة لم تتعامل معهم بشكل استثنائي، ولم تصدر قوانين خاصة بهم، ولم تجمعهم في مناطق محددة أو تفتح لهم مخيمات أو تجمعات، وإنما استقبلتهم بشكل طبيعي، وفي إطار قوانينها الطبيعية، فصار لكل وافد سوري وضع قانوني طبيعي، وقريب يستقبله أو عمل يحميه، وهو يعيش حياته الطبيعية، دون أن يُشعره أحد أنه لاجئ أو نازح أو محل شفقة.
منذ سبعينات القرن العشرين والعريس المفضل للفتيات السوريات هو من يعمل في السعودية، هذا لم ينطبق على الرجال السوريين، أي لم تصبح المرأة التي تعيش في السعودية عروسا مفضلة لهم! فلعل هذه ستكون من التغييرات الجديدة في طريقة تفكير السوريين.
ربما كانت العبارة الأخيرة مجرد دعابة، لكنني وكامرأة سورية يسابقها الزمن في معركة العمر، ولم يعد لها فرصة لتكون حلاقة في القرن التاسع عشر، وتخلت عن كونها موظفة، ولا يمكن لها أن تكون ضابط جيش، ولم يعد لها سوى أن تطمح للعمل والحياة في المملكة العربية السعودية.