خسرت صحيفة (شارلي إيبدو) الفرنسية الكثير من رصيد التعاطف الذي حصدته على المستوى العالمي مؤخرا، بعدما أفردت صفحات عددها الأخير للسخرية من أفواج المهاجرين التي تتقاطر على أوروبا هربا من ويلات الحروب في الشرق الأوسط.
أكثر تلك الرسوم الساخرة إثارة للجدل كانت تلك التي تصور جثة الطفل أيلان كردي على رمال الشاطئ، وبجواره إعلان مطعم شهير للوجبات السريعة، يشير إلى إمكانية الحصول على "عرض خاص، وجبتان للأطفال بسعر وجبة واحدة"، فضلا عن رسم آخر أشار إلى هوية أوروبا المسيحية، وأن غرق أيلان في البحر يشدد على تلك الهوية.
الرسم الثاني حمل توقيع أحد ضحايا الهجوم الأخير على الصحيفة، والذي أودى بحياة اثني عشر شخصا من طاقمها، عندما اقتحم شابان ملثمان ينتميان لأحد التنظيمات المتطرفة مبنى الصحيفة، وأطلقا النار عشوائيا على من كان موجودا في صالة التحرير، ثأرا لما قالا إنها رسوم تستفز مشاعر المسلمين حول العالم.
قراءة بسيطة في هذه الذكرى المؤلمة التي تقترب من إنهاء عامها الأول قد تفسر تلك المخاوف التي دفعت الصحيفة لشن حملتها ضد المهاجرين، مخاوف يشاطرها العديد من الفرنسيين الذين يرون أن تنظيم داعش المتطرف قد نجح في استقطاب كثير من أبنائهم إلى صفوفه، وأنهم قد يواجهون موجة جديدة من التطرف في بلادهم، إذا ما سمحوا لأفواج المهاجرين بالمجيء دون معرفة خلفياتهم الثقافية والدينية.
قد يبدو الخوف الأوروبي مشروعا، خاصة إذا ما قارناه ببعض دول الشرق الأوسط، والتي تخشى بدورها من أي تغيير في تركيبتها الديموغرافية "المذهبية" إن هي فتحت حدودها وسمحت بتوطين اللاجئين.
هذا الأمر أثار جدلا واسعا في فرنسا مؤخرا، ودفع بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الحديث عن ضرورة التدخل العسكري لضرب معاقل تنظيم داعش في سورية، فهو السبب الرئيسي خلف سياسة التهجير التي تشهدها المنطقة، ولمناقشة هذا الاقتراح اجتمع النواب الفرنسيون أول من أمس تحت قبة البرلمان، ودار نقاش حول شكل هذا التحرك، وتوقيته، والأهم من ذلك هو كيفية التعامل مع نظام بشار الأسد وفق خطة التدخل الفرنسية تلك.
قبل عدة أشهر بادر عدد من نواب اليمين الفرنسي إلى زيارة دمشق ولقاء الأسد، زيارة أثارت جدلا واسعا حينها، خاصة عندما رفضت الحكومة ما قام به هؤلاء النواب، لكنها أعطت إشارات واضحة نحو إمكانية تغير السياسة الفرنسية في التعامل مع الملف السوري.
اليوم نسمع مجددا أحد أبرز أقطاب المعارضة اليمينية التي وقفت إلى جانب خيار الشعب السوري إبان حكم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وهو يقول إن من الحكمة القيام بعملية لضرب تنظيم داعش بالتعاون مع موسكو التي تحشد عتادها في الشمال السوري لهذا الغرض، وهو ما يعني ضمنيا التعامل مع النظام السوري الذي تدعمه روسيا، والتغاضي حاليا عن هدف إسقاطه كأولوية على أجندة الحل.
وهنا تبدو الشكوك حول تفجير أزمة المهاجرين وإغراق القارة الأوروبية بهم في هذا الوقت -تحديدا- مبررة للغاية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريحات الأسد الأخيرة التي تحذر الأوروبيين من تفاقم هذه الأزمة، وتشير إلى أهمية التعاون مع نظامه لمحاربة الإرهاب، كحل يضمن عودة المهاجرين إلى بلادهم.
يبدو أن الأسد قد نجح نسبيا في تحويل أنظار العالم عما تقوم به براميله المتفجرة في سورية، وتسليط الأضواء على عدو جديد بدأ يشكل مصدر قلق حقيقي للعالم بأسره، ولا ندري حتى الآن كيف ستنتهي الأمور في سورية بعد دخول موسكو على خط المعركة، فهل سيوحد داعش الجهود الدولية للقضاء عليه، أم أنه سينجح في إشعال حرب عالمية ثالثة؟