يحاول الإعلام الإيراني استثمار أي حدث ما لمهاجمة المملكة العربية السعودية، ويجند آلته الإعلامية لتحقيق هذا الهدف. ولعل ما قامت به تلك الوسائل الإعلامية من حملة شعواء على المملكة بعد حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي الشريف، أحدث دليل على ذلك.
لقد أطلقت وسائل الإعلام الإيرانية كثيرا من التهم التي لم تثبت صحتها، في محاولة منها للتأكيد على أن الحادثة ناجمة عن إهمال من الجهات ذات الاختصاص، وليست بسبب التغيرات المناخية المفاجئة التي شهدتها مكة، خصوصا منطقة الحرم المكي الشريف.
تزعم المواقع الإيرانية أن هذه الحادثة وقعت نتيجة إهمال السلطات السعودية لأمن وسلامة الحجاج، كما تدّعي أن الهدف من مشروعات التوسعة مجرد أهداف مادية بحتة.
من جانب آخر، استغل المسؤولون الإيرانيون الحادثة لمهاجمة السعودية، إذ طالب المرجع الشيعي الإيراني آية الله مكارم الشيرازي والنائبة في البرلمان الإيراني لاله افتخاري بهدم المشروعات والأبراج التي يتم تشييدها حول الحرم، وذهب النائب مفيد كيايي نجاد إلى أبعد من ذلك، إذ توقع أن هذه الحادثة ربما تكون متعمدة وليست عرضية.
تؤكد التقارير الإعلامية الصادرة عن وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة، إضافة إلى تصريحات المسؤولين هناك، أن النظام الإيراني يحاول استغلال هذه الحادثة التي نجمت عن تطورات بيئية وتغيرات مناخية مفاجئة لخدمة أجندات سياسية قديمة متجددة تستهدف المملكة العربية السعودية، وتشكك في قدرتها على إدارة الحرمين الشريفين وحماية ضيوف الرحمن.
يعلم الجميع أن المملكة جندت ولا تزال كل طاقتها الأمنية والخدمية والتنظيمية للسهر على راحة الحجاج والمعتمرين وجميع قاصدي الحرمين الشريفين، وقدمت نموذجا مميزا فيما يسمى بإدارة الحشود والتجمعات، وتسهيل تحرك أكثر من ثلاثة ملايين شخص بكل يسر وسهولة، برغم محدودية المكان والزمان بسبب مناسك الحج تحديدا، كما يعلم الجميع أيضا أن إيران ممثلة في النظام الحاكم قد استهدفت أكثر من مرة حجاج بيت الله الحرام ورجال الأمن عام 1987، وأهرقت الدماء المعصومة دون مراعاة لحرمة الزمان والمكان، الأمر الذي يؤكد على واقع الجهات التي تريد الإخلال بأمن الحج وسلامة الحجاج.
على صعيد آخر، تدرك إيران قبل غيرها أن السعودية لا تبحث عن مكاسب مادية من وراء ما تقوم به من خدمات جليلة في الحرمين الشريفين، بل إنها تنفق أضعاف العائدات المالية التي تصل إلى القطاع الخاص ومقدمي الخدمات لضيوف الرحمن، ولم تضع السعودية صناديق للتبرعات عند الأبواب أو تطلب دعما ماليا من دول العالم الإسلامي، بل ترى أن ما تقوم به هو خدمة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. أعتقد أن الجانب المالي قد قفز إلى المخيلة الإيرانية انطلاقا من واقع الحال في إيران ذاتها، وبخاصة أن تجارة ما يعرف بالأضرحة والمزارات منتشرة هناك بشكل كبير، وأصبح تزايد أعداد هذه المواقع ظاهرة لافتة للأنظار، الأمر الذي قاد مجلس الشورى الإيراني إلى مناقشة الظاهرة تحت قبته. فبحسب التصريحات الرسمية لبعض المسؤولين الإيرانيين تجاوز عدد الأضرحة والمزارات وما يطلق عليه هناك بـ"البقع المباركة" في البلاد 4400 موقع، ويرتفع هذا العدد سنويا بشكل ملحوظ، ويستنتج من ذلك أن السبب في هذا التزايد غير الطبيعي يعود ربما إلى الحجم الهائل من الأموال العائدة من هذه الأماكن.
إن فكرة مهاجمة طهران للمملكة جعلت النظام الإيراني وآلته الإعلامية ينسيان أو يتناسيا أننا في عصر سرعة المعلومة وتوافرها وسهولة تفنيد المزاعم وكشف حملات التضليل الإعلامي. لقد هيأت التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي جميع السبل لكشف الحقيقة بعيدا عن محاولات استغلال الحوادث لخدمة المشاريع السياسية، وعليه فقد شاهد العالم عشرات من مقاطع الفيديو المسجلة التي نشرت على الشبكة العنكبوتية من الأفراد الموجودين في مكان الحدث، قبل وأثناء وبعد سقوط الرافعة، وجميعها تظهر مدى قوة العواصف وغزارة الأمطار، الأمر الذي أكدت عليه نشرات الأحوال الجوية العالمية، وبالتالي، فمن جانب، تدحض هذه الحقائق الراسخة كل المزاعم الإيرانية التي حاولت إظهار الحادثة بأنها متعمدة أو قللت من حقيقة التقلبات المناخية في مكة وقت وقوع تلك الحادثة المؤلمة، ومن جانب آخر، أظهرت حقيقة الدافع السياسي الإيراني الذي حاول استغلال الحدث لمهاجمة المملكة، وما سقوط الرافعة إلا وسيلة تم استغلالها للهدف السياسي.