بعد أن نشرت "الوطن" يوم الثلاثاء الماضي التوثيق المقدم من معالي محافظ هيئة الاستثمار لمعلوماته الخطيرة التي حددتها في مقالي السابق (احلف يا محافظ هيئة الاستثمار) استجابة لرجائي، رأيت أن توثيق معاليه بحاجة للنقاش وبدأت ذلك بمقالي الذي نشرته "الوطن" يوم الأربعاء الماضي وناقشت فيه توثيق المحافظ لمعلومته الأولى التي قال فيها إن ((الاستثمارات الأجنبية نسبة السعودة فيها 27% بينما الوطنية تبلغ النسبة فيها 9.9%))، وقد قلت في نقاشي ما معناه إن الهيئة كما يبدو ضمت لحسبتها موظفي شركة سابك وما ماثلها من شركات البتروكيماويات الوطنية ليكونوا في صف الاستثمار الأجنبي في مواجهة الاستثمار الوطني عبر تصنيف (الاستثمار المختلط) لتترجح بذلك كفة الاستثمار الأجنبي في ما يتعلق بنسبة السعودة، وقلت إن ذلك إن كان قد حصل (وأظنه هو الحاصل) فإنه ليس عادلاً، وكترجيح لذلك أوردت تصريح معالي محافظ مؤسسة التأمينات الاجتماعية (التي تعتبر مصدراً قوياً لأعداد العاملين في القطاع الخاص وجنسياتهم) الذي أكد فيه أن عدد العاملين السعوديين في شركات الاستثمار الأجنبية والمختلط منذ عام 2000 وحتى الآن 2010 (مستبعداً كما يبدو موظفي سابك وما ماثلها) لا يتجاوزون (9700)، وليس كما ذكر محافظ هيئة الاستثمار (101000).

وأقول الآن إضافة إلى ذلك إن أسلوب التصنيف الذي استخدمه معالي المحافظ ليوازن به بين نسبة السعودة في الاستثمارات الوطنية والاستثمارات الأجنبية ليس عادلاً، فهو قد جعل الاستثمارات المختلطة في صف الاستثمار الأجنبي عندما جعل المقارنة بين الاستثمار الوطني والاستثمار المختلط، لتكون النتيجة لصالح الاستثمار الأجنبي باحتسابه موظفي شركة سابك السعوديين وكافة شركات البتروكيماويات ضمن نسبة 27% في حين أن العدالة تقتضي العكس، ولو فعل ذلك لكانت نتيجته على العكس تماماً.

شركة سابك وغيرها من شركات البتروكيماويات تحقق معدلاً ربحياً عالياً بسبب الغاز الرخيص الذي توفره لها الحكومة، وبسبب هذا المعدل العالي للربحية تمكنت من رفع نسبة السعودة لديها إلى حدود عالية جداً، والمفروض ألا تحسب هذه النسبة العالية لصالح الاستثمارات الأجنبية في حساب السعودة بل العكس، ولذلك أرجو من معالي المحافظ أن يعيد النظر في حساباته وتصنيفاته، وإن أراد تصنيفاً دقيقاً يعطي كل ذي حق حقه فبإمكانه أن يقارن بين الاستثمارات الوطنية والاستثمارات الأجنبية الصرفة، أما الاستثمارات المختلطة مثل شركة سابك فيجعل لها مقارنة وتصنيفاً مستقلاً مختلفاً يتم فيه تحديد حصة الاستثمار الأجنبي والوطني من السعودة وفق نسبة رأس المال، ثم ينقل النتيجة إلى النسبة الأولى التي خرج بها في مقارنته بين الاستثمار الوطني والأجنبي الصرف، وبذلك يخرج بتصنيف عادل ونتيجة متوازنة.

سأؤجل نقاش معلومة معالي المحافظ الثانية الخاصة بالمزايا الموفرة للاستثمار الأجنبي إلى الجزء الثالث من هذا النقاش وأناقش الآن توثيقه لمعلومته الثالثة المذهلة التي قال فيها ((في عام 2009 جذبت المملكة 133 مليار ريال استثمارات أجنبية)) وإن هذه الاستثمارات قد اجتذبت استثمارات محلية حيث ((بلغت في نفس العام قيم الاستثمارات المحلية في المشاريع المشتركة 113 مليار ريال))، أي أن جملة الاستثمارات في عام 2009 (246) مليار ريال. وتوثيقا لهذه المعلومة المذهلة قال معاليه إن هذا موجود في تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي المعلن مؤخراً وموثقة لدى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة، والاستثمارات المحلية أكدها مسح شامل للمشاريع المشتركة.

لقد لفت نظري أسلوب توثيق معالي المحافظ، لأن ما ورد في تقرير مؤسسة النقد هو أرقام مجملة يتم أخذها من البيانات التي ترد المؤسسة من الهيئة، فكيف يستند وهو يوثق لمعلوماته على تقرير جهة أو جهات أخرى كانت الهيئة هي مصدرها..؟ كان المفروض طالما أن الهيئة هي مصدر المعلومات ألا يحيلنا المحافظ إلى تقارير المؤسسة أو تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، خاصة وهو يتحدث عن أرقام مذهلة لاستثمارات ومشاريع ليس لها وجود قوي ملحوظ على ساحة الواقع، إذ المفروض في تلك الحالة أن يقدم لنا بياناً بتلك المشاريع والاستثمارات، تسمى الأشياء فيه بأسمائها.

ولأن تلك المعلومة قد أدهشتني فقد عدت لذاكرتي لأتذكر ليس المشاريع والاستثمارات الضخمة التي مرت علي في عام 2009، بل الاستثمارات والمشاريع القائمة لدينا حالياً منذ عشرات السنين.. تذكرت شركات الأسمنت الكبرى، وتذكرت بنوكنا العملاقة، وتذكرت بعض شركات البتروكيماويات، وشركات التجزئة والنقل، بل والاتصالات، وبدا لي أني لو جمعت (روؤس أموال) تلك الشركات الكبيرة التي تكونت لدينا عبر عشرات السنين فإنها كلها قد لا تبلغ الـ 246 مليار ريال، وإذا كان الأمر كذلك فكيف نستوعب وجود مشاريع أجنبية ومختلطة قامت كلها في عام 2009 بلغت استثماراتها 246 مليار ريال..؟ وأين يا ترى تلك المشاريع..؟

إذا كان معالي المحافظ يقصد استثمارات ومشاريع مثل تلك التي كانت نوايا على الورق وبعشرات المليارات في مدينة جازان الاقتصادية وحدها التي تم الإفصاح عنها في عام 2009 وفق ما نشر في الصحافة المحلية، فأعتقد أن هذا بعيد عن الواقع، وتظل مجرد نوايا وآمال وأحلام جميلة حتى تتحقق، أما إذا كان الأمر غير ذلك وأن ما قصده معالي المحافظ غير ذلك فإني أرجو منه رجاء حاراً أن يفصح عن هذه المشاريع ولا يكتفي بالأرقام الإجمالية.. مد يدك اليمنى يا معالي المحافظ وأشر بإصبعك إلى تلك المشاريع القائمة مشروعاً مشروعاً، وإذا حصل هذا فثق أن كثيرين ليس فقط سيرفعون قبعاتهم (غترهم) لك كما ذكرت في مقالي السابق، بل سيقبلون رأسك، وسيشعرون لك بالامتنان الشديد.