تتوالى صور الهاربين السوريين من براميل النظام الفاجر، من الحرق والرجم والرصاص وحزّ الرقاب، والتي توزعها عصابات التطرف في كل ناحية، صور السوريين الواقفين على جنبات الشواطئ، يعصرون قمصانهم من الماء، ويشطفون الملح والعشب البحري عن أقدام أطفالهم. صور أخرى لغرقى البحر، الممددين على نهايات الماء والرمل، متخذين هيئة حزن وخذلان أبدي، من يصدق أن تكون أطراف السواحل بتلك الوحشة! البحر أيضا تجعله الحروب بغيضا. رقدة الطفل، إيلان كردي، الذي دفعته الأمواج حتى أخرجته، تاركة هدأته تلك، تجرح قلب الحياة وعينها، سيبقى في خلد الرمال المبتلّة بملوحة الدمع والموج كصيحة مكتومة، وسيبقى ولد البحر النائم، البحر الذي بدا غريبا وأبكما.

ربع مليون قتيل، وأكثر من مليون مهجّر، وأطفال بلا حصر يكبرون بلا تعليم ولا صحة، والرقم يزيد يوما بعد يوم، من القتلى ومن اللاجئين. هذا هو الخبر اليومي الذي لا يكبر فيه شيء غير الأرقام ورقعة الدم، ومشاهد لركام البيوت، الحيطان المهدمة والمنخولة بالرصاص والقذائف، والطرقات المدججة بالأسلحة والأشلاء، حتى تتخيل أنك ترى فيلما قديما عن حرب عالمية، وأن ثلاثين جيشا هجموا دفعة واحدة على هذا المكان، وجعلوه أثرا بعد عين، وخذ ثم خذ فيديوهات تفطر الروح. نشرت قناة سكاي نيوز العربية قبل أيام مشهدا لعائلة سورية مهاجرة لإحدى بلدان أوروبا، الوالد والأم تحمل بيدها رضيعا على سكة قطار، لم يسمح لهم بالعبور، وفي لحظة جزع وهستيريا يسحب الأب زوجته وطفلهما ويستلقي بهما على قضبان الحديد، قبل أن تسحبه الشرطة وتبعده عنها، وهو في انهيار تام.

لم يجتمع شقاء وبؤس على شعب، كما هو على السوريين اليوم، لا يعرفون من أين تأتيهم الكارثة التالية، من النظام أم من المعارضة. من داعش والنصرة، أم من البحر. من العوز الذي يملأ البيوت والمخيمات أم من اللصوص ومعدومي الشرف. من العالم النذل، أم من صقيع الشتاء المقبل. من الأهل أم من الجيران. من السني الذي يحمل مصحفا وسكينا، أم من الشيعي الذي يحمل مصحفا وعمامة ومشنقة. وما من أحد يعرف متى سينتهي هذا الخراب!