أطاحت السلطات الأمنية الأميركية والأسترالية يوم الجمعة (11 سبتمبر) بمواطن أميركي قام من خلال الإنترنت بتجنيد شباب مسلمين، باسم تنظيم داعش، للقيام بأعمال إرهابية في الولايات المتحدة. وتكشف تفاصيل القضية التي نشرت حتى الآن سهولة استخدام وسائط التواصل الاجتماعي للتخطيط للأعمال الإرهابية وتنفيذها، وإمكانية خداع الصحافة والمسؤولين وخبراء الإرهاب.
اتضح من خلال التحقيقات أن هذا الرجل ليس مسلماً ولا علاقة له بالمسلمين، بل هو شاب يهودي في العشرين، يُدعى (جوشوا غولدبرغ)، يعمل مع منظمات يهودية أميركية وأسترالية متطرفة معادية للعرب والمسلمين.
توصل مكتب المباحث الفيدرالية الأميركي (إف بي آي) والشرطة الفيدرالية الأسترالية إلى هذه النتيجة بمساعدة المؤسسة الإعلامية الأميركية (فيرفاكس ميديا)، فأُلقي القبض عليه في ولاية فلوريدا الأميركية، بعد أن ارتكب العديد من جرائم الإنترنت.
استخدم غولدبرغ (تويتر) و(فيسبوك) بمهارة مقنعة، متظاهراً بأنه أسترالي يعمل في مدينة (سيدني) مع تنظيم داعش الإرهابي، مستخدماً صورة البغدادي رئيس التنظيم، مُتقناً للغة التنظيم وتعبيراته الدينية التي يستخدمها لاجتذاب الشباب والتغرير بهم، ومسمياً نفسه أسماء داعشية مثل (الأسد الجزراوي) و(الشاهد الأسترالي)، وقام بتجنيد شباب للقيام بأعمال إرهابية في الغرب موجهة لتحقيق أكبر تغطية إعلامية ضد المسلمين وقضاياهم وأنصارهم.
ووزّع غولدبرغ من خلال وسائط التواصل الاجتماعي صوراً ومعلومات عن كيفية استخدام الأسلحة، وصناعة قنابل بدائية، على غرار تلك التي استخدمت في الهجوم على (ماراثون بوسطن) في أبريل عام 2014، كما قام بالتزوير والتحريض على عدد من الأعمال الإرهابية، في الولايات المتحدة وأستراليا.
التهمة الرسمية التي وجهتها إليه السلطات الأميركية حتى الآن هي تهمة "توزيع معلومات تتعلق بالمتفجرات والمواد المدمرة وأسلحة الدمار الشامل"، ولكنها ما زالت تحقق في الجرائم الأخرى التي يُشكّ في علاقته بها.
وكانت السلطات الأسترالية والأميركية تسعى منذ بعض الوقت لاعتقال غولدبرغ، ظناً منها أنه أحد عملاء داعش، وعلى افتراض أنه مسلم أسترالي كما كان يدعي. ولكن في يونيو 2015، اقتنع المحققون أنه لا يعيش في أستراليا بل في الولايات المتحدة، مما جعله هدفاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن تم القبض عليه في 11 سبتمبر.
قام غولدبرغ بالتواصل مع بعض الأشخاص ليبسط لهم عملية استخدام المسامير وسم الفيران في القنابل البدائية التي يصنعونها لجعل التفجيرات أكثر خطورة، ووفّر لهم روابط إلكترونية لخمسة مواقع على الأقل تقوم بتوفير مثل هذه التعليمات. فتواصل على سبيل المثال مع أشخاص في (كانساس سيتي) لتفجير قنبلة في تجمع كان من المقرر عقده الأحد (13 سبتمبر 2015) بمناسبة الذكرى السنوية لتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك منذ 14 عاماً.
وتقول السلطات الأميركية إن غولدبرغ اعترف بهذه الجريمة. ولكنها تمتلك قرائن وأدلة بأن غولدبرغ قد قام بجرائم إلكترونية أخرى، مثل تحريضه للشباب المسلمين للهجوم "بالبنادق والسكاكين والقنابل" على مؤسسة في ولاية تكساس في مايو 2015، بدعوى نشرها صوراً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وبالفعل استجاب شابان مسلمان لهذا التحريض، وحاولا الهجوم على هذه المؤسسة ولكن الشرطة الأميركية أردتهما قتيلين. وبالمثل حرض غولدبرغ من خلال الإنترنت على مهاجمة الرسام الأسترالي (لاري بيكرينغ) لسبب مشابه.
وخلال فترة طويلة، تمكن غولدبرغ من خداع أجهزة الاستخبارات والصحفيين بأنه ليس من أتباع تنظيم داعش فقط، بل من قياديي التنظيم الأساسيين، كما قالت (ريتا كاتز) المسؤولة عن "مجموعة الاستخبارات سايت" التي تقدم المشورة للحكومة الأميركية عن مكافحة الإرهاب في الإنترنت، وسبق أن قدمت شهادات بهذا الشأن أمام الكونجرس الأميركي.
ولم تكتشف السلطات الأمنية خدعة غولدبرغ إلى أن لفت نظرها لذلك بعض الصحفيين من مؤسسة (فيرفاكس ميديا).
واستخدم غولدبرغ الإنترنت لتشويه سمعة عدد من الناشطين والمنظمات الحقوقية، مثل الناشطة المسلمة (مريم واي زاده) التي تكافح ضد ظاهرة العداء للإسلام (إسلاموفوبيا)، ومنظمة العفو الدولية، بادعاء أن لهم صلات بالحركات الجهادية، وتزوير وثائق تربطهما بتلك الحركات.
وتوضح حالة غولدبرغ عدة أمور، أولها إمكانية التخفي وراء ستار الإنترنت فترة طويلة، حتى في الدول التي تتمتع بقدرات تقنية عالية مثل أستراليا والولايات المتحدة. وثانياً: أن أعداء المسلمين يندسون أحياناً فيقفون وراء دعوات ظاهرها نصرة الإسلام وحقيقتها السعي لتشويه صورته والإضرار بالنشطاء الحقيقيين. وثالثاً: الحاجة إلى التعاون بين السلطات الأمنية في جميع الدول، فكما أن الإرهاب جريمة دولية لا تعرف الحدود، وكما أن العمل من خلال الإنترنت عابر للحدود بطبيعته، مما يمكن الإرهابيين بقليل من الجهد من إخفاء مكان إقامتهم الحقيقي، فإن السلطات الأمنية يجب أن تعمل معاً لإحباط مخططاتهم. وفي هذه الحالة ساعدت العلاقات القديمة والقوية بين السلطات الأمنية في أستراليا وأميركا على القبض على هذا الإرهابي، ولكن العلاقات ليست بهذه القوة بين جميع السلطات الأمنية. وأخيراً، أظهرت هذه القصة دور المجتمع المدني في مكافحة الإرهاب، فالصحافة والمواطن العادي قد يكونان أقدر في بعض الأحيان على كشف الإرهابيين من السلطات الأمنية نفسها.