بداية لن أجادل فيما ذهب إليه الكاتب محمد السعيدي في تصديه لما تعرض له ياسر برهامي من إهانة البعض له أثناء حجه هذا العام، وقبل أن أبدي بعض ملاحظاتي على المقال المنشور في "الوطن" الإثنين الماضي، استرعى انتباهي شيء أعتقد أنه قد فات على الكاتب الكريم، ألا وهو أن تلك الإهانة التي تعرض لها برهامي لم تكن لشخصه كداعية سلفي أو أحد قيادات الدعوة السلفية، بل إن الإهانة وجهت له كأحد أكبر مهندسي حزب النور، ولا أدري لماذا أغفل الكاتب ذكر الشيخ يونس مخيون رئيس حزب النور مع أنه كان بمعية برهامي، ولأن الكاتب الكريم أوحى في مقاله بأن تصديه لهذا التطاول انطلاق من باب الحمية والغيرة على الدين.

ولوضع الإبهام على مواطن الخلل في الجسد السلفي المصري للوصول إلى التشخيص الموضوعي وللأسباب التي أدت إلى تعرض برهامي ومخيون للإهانة لا بد من العودة إلى الوراء قليلا، ففي أعقاب ثورة 25 يناير وأثناء حكم المجلس العسكري تم السماح لكل من يريد تأسيس حزب سياسي، ومن هنا بدأت الدعوة السلفية تنفتح شهيتها للعمل السياسي بخروجها من عباءة الدعوة والتخلي عن الدور الدعوي لتحترف السياسة تحت مظلة حزب النور السلفي، وذلك على غرار ما فعله الإخوان بإنشائهم حزب الحرية والعدالة، وبدأوا في بداية الظهور لا يتحدثون إلا عن الشريعة وتطبيق شرع الله، ولعل الكثير منا يتذكر مواقف رجاله في البرلمان المنتخب عقب ثورة 25 يناير فكلها دفاع عن الشريعة، حتى إنهم كانوا يزايدون على أعضاء الإخوان، ولكن ومن خلال الفترات المتتابعة رأينا تحولا كبيرا ومفزعا، فتصريحاتهم تكاد تختلف بالكلية بين الحين والآخر، إلى أن اختفت كلمة الشريعة، وحلت مكانها "المصلحة العليا للحزب" فهي الغاية التي جعلت الحزب ينسف مبادئه وأفكاره، وسار أعضاؤه على الدرب "الإخواني" وبدت عليهم ملامح الانتهازية السياسية، فهم لا يرون أي غضاضة في أن يتحالفوا مع الإخوان في سبيل مكاسب سياسية حتى وإن كانت رؤاهم المعلنة لا تتفق معهم، ثم يكتشفون أن الإخوان يستخدمونهم لتجميل الصورة أمام الرأي العام فقط، دون أن يشركوهم في حكم البلاد، ما جعلهم يتخذون مواقف ضبابية وذلك في نهايات عام حكم الإخوان.

وهنا لا بد من الإشارة والتوضيح للتناقضات الكثيرة التي مارسها قادة الدعوة والحزب معا والتي أدت إلى نفور قواعدهم، بل وانقسامهم من الداخل، ولأنهم وفي خضام دخولهم مستنقع السياسة، نسوا أو تناسوا المبادئ والأفكار التي قامت عليها الدعوة السلفية، فأخذوا يتخبطون في آرائهم المعلنة إلى اتباعهم وقواعدهم، فنجد أن رأيهم في ثورة 25 يناير في بدايتها غير مؤيدين لها، ثم عادوا وقالوا عنها إنها أعظم ثورة في التاريخ، قالوا لأتباعهم وذلك قبل الثورة إن التظاهر والخروج على الحاكم ليسا من مبادئهم، ثم عدلوا عن ذلك وخرجوا لممارسة التظاهر في عدة مناسبات.

كذلك وهذا هو المهم أنهم كانوا يؤكدون بعدم جواز العمل الحزبي وأنه من المحرمات، ثم عادوا وأنشؤوا حزبا سياسيا، أيضا ومن أقوالهم إن المشاركة في مجلس الشعب لا تجوز، ثم عادوا للمشاركة وتكالبوا على مقاعده، والطامة الكبرى يوم أصروا على المادة 219 في دستور 2013 "الإخواني"، مؤكدين أنها تعزز مكانة الشريعة في الدستور ثم عادوا بعد ذلك وهللوا للدستور الأخير الذي نص على إلغائها.

لكل هذه التناقضات السابقة الذكر هي بالتأكيد غيض من فيض وهي التي أدت ليس فقط إلى إهانة برهامي ومخيون، بل الفشل الذريع في انتخابات المرحلة الأولى لمجلس النواب وحصول الحزب على ثمانية مقاعد فقط وهذا أكبر دليل على أن قواعدهم وأتباعهم هم من لفظوهم، قبل غيرهم.

ثم بعد ذلك الفشل المروع يخرج برهامي وعبر حسابه في سلسلة تغريدات متهما كل قطاعات المجتمع، بمن فيهم شيوخ السلفيين، بأنهم نجحوا في إقصاء حزب النور عن تمثيل الحركة الإسلامية، ومتهكما على حزب نجيب ساويرس "القبطي" الذي حاز على 41 مقعدا، بأنه هو من سيشكل الحكومة القادمة، وكأنه يلقي باللوم على المجتمع، ونسى أيضا أن هناك أقباطا على قائمة حزب النور السلفي في هذه الانتخابات وهم الذين يدعون بأن مرجعيته – أي حزب النور - "الدين الإسلامي".. أرأيتم كيف يتم تسييس الدين؟