التحكم في توجيه العقول والمجتمعات لأجل أهداف سياسية ونفسية ليس من يقوم به أفراد محدودون، بل تقوم عليه منظمات وجهات ذات إمكانات عالية ودقيقة لها القدرة على توجيه دفة الإعلام في الاتجاه الذي يخدم مصالحها.

ولعل صورة الطفل الغريق التي حركت الرأي العام ودفعت الجميع إلى التعاطف معه أحد الأمثلة وليس أهمها، التي تؤكد فعليا خطورة تحريك الناس من خلال عواطفهم الدينية والنفسية، وهي هنا عملت على تحريك العاطفة الأبوية لدى الشعوب من خلال طفل ملقى على البحر يرتدي الأحمر والأزرق وحذاء طفوليا، ويرقد بسلام على وجهه باتجاه البحر، بينما الحقيقة أن الماء قذف به بين الصخور وتم حمله إلى المكان المستهدف؛ ليتم بث الصورة الخارقة التي ألهبت عواطف الشعوب الذين ثاروا بالفعل على موت الطفل -كان موتا سماويا قدريا- بينما لم يعترضوا بهذا الحماس على موت مئات الأطفال الذين قتلوا بأيد بشرية!

هذا بالفعل ما يؤكده موقع The intercept التابع للوحدة السرية للقيادة البريطانية للاتصالات والتي ذكر تقرير عنها أعده الصحفيان (أندرو فيشمان وجلن جرينوالد) وقاما بنشره، أن هذه الوحدة تستخدم مجموعة من الأساليب والحيل النفسية على الإنترنت من أجل التلاعب بسلوك الأفراد والجماعات من خلال شبكة الإنترنت والأشكال الرقمية الأخرى من الاتصالات، وقد كشفت بعض وثائقهم أن من أساليبهم أيضا نشر مواضيع تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر خطابات وصور مزيفة على الإنترنت.

وكان أهم ما كشفه التقرير هو تجنيد مختصين من النخبة لديهم؛ لتطوير دراسات وعلوم تتمحور حول البحث العلمي والنفسي، وتحديدا حول الطرق التي يمكن أن تؤثر على التفكير والسلوك البشري عبر وسائل الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية ومقاطع الفيديو وغيرها من الوسائل البصرية والسمعية.

الأمر السيئ في هذا هو أنها لفتت انتباه كثير من الصحفيين في مختلف أنحاء العالم، للعمل معهم، وذلك لما تقوم به من الاستخدام واسع النطاق لأساليب التضليل على الإنترنت من الخداع والتلاعب بالعقول. من هذه الأساليب كما جاء في إحدى المذكرات المسربة: تحميل مقاطع على يوتيوب تتضمن حوارات وآراء مقنعة يمكن أن تؤثر على المستقبل، تسبب له تراجعا، اضطرابات فكرية، شكا، ثنيا عن القيام بعمل ما، إنشاء حسابات على فيسبوك وتوتير ويوتيوب؛ لدعم فكرة أو خطاب ما للتأثير على بقية البشر والمتابعين، وإنشاء حسابات تدعم تلك الحسابات، توفير مقالات وصور ومواقع؛ تتضمن معلومات خاطئة ومضللة لخداع الناس المتصفحين وتوجيه آرائهم. وصورة الطفل الغريق ليست إلا قطرة في بحر منظومة مضللة، وعلينا أن نستيقظ بوعي مختلف.