قرأت قصيدة الأمير خالد الفيصل "لا تتباكوا .. حولوا المشكل إلى حل" فتوقفت طويلاً متأملاً في المعاني المباشرة التي تضمنتها وهي تحاكي كلّ مواطن سعودي أو خليجي أو عربي؛ لأنهم جميعاً معنيون بانخفاض أسعار النفط وأثر ذلك على اقتصادات كلّ تلك الدول والمجتمعات، وتذكرت ذلك الاجتماع المميز في الرباط قبل ما يزيد على عشر سنوات، حين تحدث الأمير خالد الفيصل عن ثقافة التنمية وتنمية الثقافة، وكنت حينها مقتنع بأنّ التنمية لا يمكن أن تتحول إلى ثقافة؛ لأنّني كما كنت أفهمها تعد علاجاً مرحلياً تنقل المجتمعات والدول من حال التعثر إلى حال الشفاء كما تقول أدبيات التنمية الدولية آنذاك، لكن الأمير خالد الفيصل كان يرى حينها ما لم نكن نراه، إلى أن فاجأتنا الأمم المتحدة في العام 2013 ببيانها الذي يتحدث عن الثقافة والتنمية، وها نحن اليوم نقرأ قصيدة جديدة تجعل الشعر والثقافة في خدمة التنمية والإنسان.

جرت العادة أن تكون مثل هذه المواضيع من اختصاص النخبة الاقتصادية والسياسية، وتتم عادة بالدراسات المعقدة التي لا يتقنها إلا أصحاب الاختصاص في سوق النفط ومتفرعاته المالية والاقتصادية، ولا أحد يكتب أو يتحدث فيها مع عموم الناس الذين هم أصحاب الحق بالاطلاع؛ لأنّ ذلك يؤثر على دخلهم البسيط والمتعلق بحياتهم اليومية ومستقبل أسرهم واستقرارها.

تضمنت القصيدة توصيفاً دقيقاً ورشيقاً لأثر انخفاض أسعار النفط على عموم الناس وجاءت بشكل مبسط ومباشر، وبقالب شعري أقرب إلى العربي المحكي الذي يحبه ويتقنه عموم الناس، أي أنّ القصيدة ذهبت مباشرة إلى الفئة القلقة وصاحبة الحق بالإيضاح والإقناع، وذلك ما تقوم به الدول المتقدمة التي تصارح شعوبها في الأزمات الاقتصادية والسياسية، وتبلور معهم أشكال مواجهة التحديات.

قدّم الأمير خالد الفيصل في قصيدته تجارب الدول التي تقدمت وتطورت بإرادة أبنائها وحكمة قيادتها وأصبحت دولا اقتصادية مرموقة بفضل تحويل أزماتها إلى فرص شارك في صناعتها مواطنوها، ولم يكن مضطرا إلى إطالة الحديث عن تلك التجارب؛ لأنّها ماثلة أمام العيان، وكلّ مواطن سعودي أو عربي يعرف أين كانت تلك الدول قبل سنوات وما المشكلات التي كانت تعانيها وكيف حولت تلك المشاكل إلى فرص حقيقية، وأصبحت نموذجا للدول والشعوب التي تريد أن تكون لها مكانتها بين الدول.

أراد الأمير خالد الفيصل أن يحوّل تلك الشكوى المستجدة لدى الناس من انخفاض سعر النفط إلى طاقة محركة لابتكار البدائل الإنتاجية في كلّ المجالات؛ بما تملكه السعودية من طاقات شابة متمكنة من العلوم الحديثة ومتعلمة بأفضل جامعات العالم، إضافة إلى المستوى الأكاديمي للجامعات السعودية، وإلى التنوع الكبير في سوق العمل السعودي في كافة المجالات التجارية والصناعية والمصرفية والاقتصادية -عموما- المليئة بالخبرات العلمية الحديثة.

قارب الأمير خالد الفيصل في قصيدته تحديات الهوية الإسلامية والعربية والوطنية، ومسؤولية المواطن والنخب على حدّ سواء في تحمّل المسؤولية المشتركة تجاه ما تتعرض له هذه الهويات من استهدافات متعددة من داخل الحدود وخارجها، حيث يقدم الشباب ضريبة الدم من أجل صيانة الاستقرار الذي هو أساس كلّ تقدم اقتصادي واجتماعي، والذي يتزامن مع أزمة انخفاض أسعار النفط.

دعا الأمير خالد الفيصل إلى تنوع مصادر الدخل والإنتاج من خلال عملية تكاملية بين الدولة والقطاع الخاص، والتحول من العقلية الريعية إلى مجتمع الإنتاج الذي أمّن النفط له كلّ أسباب النجاح، من بنية تحتية بشرية وعمرانية وقانونية وعلى أعلى المستويات باعتراف كلّ الخبراء والصناديق الاقتصادية، حيث أصبحت المملكة إحدى الدول العشرين للدول الاقتصادية الكبرى.

لا بدّ لنا أن نتوقف أمام هذا الحدث الإبداعي الفريد، أي هذه القصيدة التي تعدّ تجديدا كبيرا في تاريخ الشعر العربي الذي بقي على مرّ الأزمنة، الأكثر تعبيرا عن الوجدان العام للشعوب العربية في حلها وترحالها، ولطالما استطاع الشعر أن يدخل إلى قلوب العرب من المشرق إلى المغرب؛ لأنه صادر من القلب وقادر بالوصول إلى القلب والوجدان.

عرف العرب عبر تاريخهم شعر الحكمة وشعر الغزل والهجاء والمديح، ثم شعر التفعيلة وبعده القصيدة النثرية والشعر المحكي أو العامي أو النبطي، والأمير يعتبر أنّ كلّ ذلك هو شعر عربي وجداني أصيل، لكن ما جاءت به القصيدة الأخيرة للأمير خالد الفيصل يعبّر عن إيمانه العميق بثقافة التنمية التي كان سباقا إليها يوم كنّا نعارضه؛ لأنّنا كنا لا نعتبر التنمية ثقافة حتى جاءت الأمم المتحدة في العام 2013 لتقول بالثقافة الإنمائية، وهذا ليس جديدا على الأمير خالد الفيصل أن يكون سبّاقا، إنّما الجديد هو أن يحدث تطوراً جديداً في الشعر العربي الحديث، بعد أن كنّا في القصيدة الملتزمة وقصيدة المقاومة، فجاء ليقدم قصيدة العصر المقبل وهي "القصيدة الإنمائية" الجديدة بالشكل والمضمون، والتي تتحدث عن انخفاض أسعار النفط وأنماط الإنتاج الحديثة، إنّ هذه القصيدة حدث تنموي أدبي ثقافي غير مسبوق، إنّه عصر جديد في السياسة والثقافة الإنمائية.