البيت الحرام قبلة المسلمين جعل الله هذه البلاد شَرْفا لها خدمة بيته العتيق وزواره والمعتمرين إليه، وكرّست الدولة السعودية جهودها كافة لتحقيق الراحة والأمن والاستقرار لضيوف الرحمن من شتى أقطار العالم، يأتي الحاج في أيام معلومات لعبادة الله وذكره وشهود عرفة والطواف بالكعبة المشرفة في راحة وأمان وطمأنينة يندر أن تجد لها مثيلا في عالم اليوم على الإطلاق، وقد أكد هذا المعنى القرآن الكريم (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)، ولهذا عملت المملكة العربية السعودية على تحقيق هذا المطلب المهم منذ أن تطأ أقدام الحجاج الديار السعودية، عبر منافذها البرية والجوية والبحرية فأحكمت أمام كل قادم الالتزام بالتنظيمات والتعليمات الخاصة بفريضة الحج، وتفريغ الحاج نفسه للعبادة دون الانصراف إلى ما يسيء إلى الآخرين، أو يحاول تحويل فريضة الحج إلى مطلب غير ما هدفت إليه الشريعة الإسلامية كونه ركنا من أركان الإسلام (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
وهنا وجه مجلس الوزراء السعودي في آخر جلساته رسالة إلى العالم كله أن الحج عبادة شرعها الله ينبغي أن يتفرغ لها الحاج دون أهداف غوغائية أو سياسية أو شعارات تصرف الحاج عن المقاصد النبيلة التي عزم على القدوم إلى الديار المقدسة من أجلها، وأنه لن تسمح السلطات السعودية بخرق هذه العبادة مهما كانت تلك الأهداف والتوجهات التي تحملها بعض العقول مع الأسف، وتحاول زرعها لدى ضعاف النفوس عبر شعارات ممقوتة وجاهلية مرفوضة، وسوف تتخذ الدولة التدابير كافة لتحويل هذا النسك إلى غير ما هدف إليه المسلمون على مرّ العصور، وقد شددت السلطات السعودية على حماية المقدسات مهما كلف ذلك، باعتبار المملكة خادمة للحرمين الشريفين تبذل الغالي والنفيس في خدمتهما وخدمة قاصديهما من أرجاء المعمورة.
نقول هذا ونحن نقبل على أيام معلومات تتنزل فيها الرحمات في عرفات وفجاج مكة والمشاعر، نقول هذا ونحن نشاهد من حولنا يعيشون فوضى انعدام الأمن والاستقرار في بلدانهم. إن عليهم أن يغتنموا هذه الأيام الفاضلة لمراجعة النفس والنأي ببلدانهم عن الاضطرابات والتمزق، وليكن موسم الحج نقطة تحول في حياتنا جميعا؛ يراجع فيها الإنسان صفحة حياته ليتوب ويقلع عن إيذاء الآخرين؛ فـ(المسلم أخو المسلم، وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
هذا ما أكده المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في صعيد عرفات وفي حجة الوداع، وشدد على حرمة دم المسلم وعدم إيذائه، فكيف بما يحصل اليوم في العراق وسورية واليمن وبعض بلدان العالم -بكل أسف- غابت عنهم مفاهيم حجة الوداع التي أرست حقوق الإنسان كاملة، إن للحج مقاصد سامية ونبيلة، على المسلمين تحريها ومراجعة ذواتهم ليؤدوا هذا النسك بعيدا عن الفوضى والشعارات، بل والبدع والخرافات.
ولقد أعجبني منبر الحرم في الأسبوع الماضي عندما خصص خطبة الجمعة الموجهة إلى المسلمين جميعا، بأن يتفرغوا للطاعة والعبادة عندما يصلون إلى الديار المقدسة، وينبذوا الفرقة والخرافة والبدع حتى يتحقق للمسلم الحاج صفاء العقيدة، ونقاء الحجة؛ ليصدق فيهم (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، ومع هذه الوقفات لا بد للحاج وهو ينعم بهذه النقلة المتميزة في الخدمات أن يتفرغ للعبادة وسط هذه المنظومة المتكاملة من الخدمة والمشروعات المتنوعة، والراحة التامة في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة؛ مما يستوجب علينا شكر هذه النعم في هذه البلاد المباركة التي جعلنا الله خداما لها. تقبل الله من الحجيج حجهم وأعادهم سالمين إلى بلادهم.