ليس أسوأ من أن يتحول العالم إلى الفوضى.. يتخلى عن قوانين حضارته المزعومة ليعود إلى قانون الغابة القديم الجديد.
بالأمس، تتساءل صحيفة الجارديان "ماهي المعايير التي تحوّل الفرد من فئة المتهم بالإرهاب إلى فئة المستهدف بالقتل؟!"، وهي تتناول قضية استهداف الطائرات البريطانية لأفراد في الخارج – على غرار البلطجة الأميركية – وبلا أي مبرر قانوني معلن.
تنقل الصحيفة مزاعم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: بأن هذه الخطوة تملك أساساً قانونياً. وتهديده بالاستمرار في شن ضربات سرية أكثر في سورية.
قد يرحب البعض بهذا الاختراق القانوني طالما أن تلك الطائرات تصب حممها على أفراد يفترض أنهم تابعون لتنظيم "داعش" الإرهابي؛ لكن المسألة لن تقف عند هذا الحد، بل ستشرع الأبواب للجميع ليقصف أينما شاء بحجة محاربة الإرهاب، وحينها لن يسأل أحد عن الإطار القانوني.
أميركا التي سنت هذه "البلطجة" عبر تنفيذها لعمليات عسكرية في كثير من دول العالم، دون أي أساس قانوني ضمن ميثاق الأمم المتحدة؛ مهدت لبقية دول العالم لممارسة ذات "البلطجة".. وها هي بريطانيا تواجه جدلاً داخلياً بعد أن انطلقت طائراتها في جنح الظلام لتقتل باسم الدفاع عن النفس.
كاميرون برر بلطجته بأنها دفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ذات المبرر في عملية غزو أفغانستان 2001 وحرب الفوكلاند 1982، بل وذات المبرر الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين.
العالم لم يتخل يوماً عن قانون الغابة، أو كما يقول الإنجليز "الكلب يأكل الكلب، وتأكل أو تؤكل"، لكنه حاول أن يصنع إطاراً أخلاقياً لوحشيته، إطاراً يتماشى مع حضارته المزعومة.
الحقيقة أن العالم لم يتغير، فتلك الأخلاقيات التي يتغنى بها لم تمنع القتل والوحشية والإرهاب.. بل جعلتها أدوات لفرض السيطرة، واستعراض القوة.
بريطانيا، وفقاً لرؤية كاميرون التي لم تقنع أحدا؛ تدافع عن نفسها وهي تخترق مجالاً ذا سيادة لتقتل مراهقين متهمين بالإرهاب.. هي في ذات الوقت تؤكد أن "البقاء للأقوى"، وأن ميثاق الأمم المتحدة لا يلتزم به إلا الضعفاء.