هل نجح الأديب علي مغاوي في تدوين جماليات الحكاية الشعبية وتعبيرها الشفوي؟ وهل استطاع اعتقال لفظتها المرسلة. ومن ثم تحويرها وتفصيحها؟ وهل حجب هذا الأسلوب السردي بريق الحكاية وخصوصيتها عندما صهرها في قالب لغوي واحد مما جعل الآخرين يشعرون بالغبن والإحساس بعزلة تلك الحكاية وتوهين عوالمها؟ يقول علي مغاوي: (ضرورة التدوين حتمت تفصيحها، وكم هي جناية أن أسجلها بالفصحى. رغم شفاعة هدف الحفظ والإيمان بضرورة التدوين) عندما قرأت مجموعة مغاوي (حكايات شعبية) أغلبها تخضع للبيئة الجنوبية. عدت بذاكرتي إلى ما قبل 30 عاماً تقريباً عندما زارني وفد من مؤسسة فنية كلفتها رعاية الشباب برصد وتوثيق الحكاية الشعبية في المملكة العربية السعودية، وطلبوا إعداد مجموعة من الشباب المؤهل لكي يتم تهيئتهم وتدريبهم للقيام بذلك المشروع. وفجأة يموت ذلك الحلم. والذي كان استشرافاً ورؤية حضارية في حقل الحكاية الشعبية، ولا أعرف ما هي العثرات الإجرائية التي غيبت ومنعت الولوج إلى نسيج تلك العوالم الإنثروبولوجية. وأضاعت موسوعة مستمدة من قاع الحياة الاجتماعية. ولكن علي مغاوي نهض وقدم وثيقة حية تلقائية. واستحضر مناخها الروائي. وبيئتها الأسطورية. فهي جزء من ثقافة أمة. وتجارب بشر كانوا يدبون على الأرض. ويركضون في دروب الحياة بكل ما يحملونه في دواخلهم من أفراح وأحزان. وثروة وفقر. وحب وبغض. وعشق وتعاسة. فعمد إلى مرجعيته الهاجعة في وجدان الناس. وأطراف ألسنتهم. وعايش التجربة. ووظف المخيال الشعبي المعتمد على قوة الذاكرة. وعمق المخزون. كنت أتخيل علي مغاوي وهو يستحضر النص الحكائي بكل لوازمه الشعبية وبراعة سبكه الموروث. ثم يقوم بإعادة إنتاجه واستبطان مساربه ليولد مرة أخرى متقمصاً لغته الفصحى. مما يتقاطع مع بغيته فالنص يتهاوى ويخرج من جسده وكينونته الدافئة ليتعالق مع وعاء ومنحى ليس عشه وداره. ولا طرائق قوله وخطابه المعرفي. لم يلتفت مغاوي للاشتراطات والمحددات الكثيرة من هواة التنظير والباحثين في السيمائية والخطاب الشفوي فالرجل أحس بالفجيعة والوجع الممض. وهو يرى الحكاية الشعبية تفقد وظيفتها ودورها الحياتي بما تحمله من قيم إنسانية وأخلاقية. وتذوب كالشمع تحت مطارق العصر المأزوم. وسلطة الحضارة الراهنة فحاول الانفتاح على الماضي بواقعية منظمة. وحس متعاف. هدفه رد الاعتبار لبشرية أولئك الناس الذين عاشوا إرهاصات حياتهم المطمورة تحت ركام من الآمال والطموحات. والواقع الاجتماعي المتداخل ورصد حركتهم داخل الحياة والتاريخ. دون الارتهان لنظريات نسقية غارقة في ضباب التجريد.