ودعت نجران أول من أمس نهارا بدا عاديا، لتستقبل في أولى ساعات الليل حادثة إرهابية غادرة استهدفت أحد مساجدها وقت صلاة المغرب، وهي الحادثة التي استقبلها أهالي نجران بلحمة كبيرة بددت ظنون الحاقدين في أن تنال فعلتهم من وحدة الأهالي وتكاتفهم.
انتفض أهالي نجران ليكونوا سدا منيعا في وجه الفتن عقب التفجير الإرهابي بمسجد المشهد بحي دحضة وحالهم كحال سد وادي نجران، أحد أكبر السدود في الجزيرة العربية، الذي يفيض خيرا ولا تهزه النوازل.
ويعد مؤرخو نجران بمثابة "صرّة" تاريخ الجزيرة العربية ومهدا مهما لحضاراتها وثقافاتها المتعاقبة، تلك المدينة التي تكتسب شهرتها من القلاع الأثرية والصورة الأنيقة والحقول الخضراء وليالي الصحراء المقمرة وأشجار النخيل الباسقة الممتدة مدى البصر لتحمي المدينة من سفع رمال الخماسين، تاركة لأشجار الحمضيات والأراك ومنازل الطين والقش مهمة تلطيف الأجواء.
لحمة وثبات
وجاءت حادثة التفجير أول من أمس لتختبر قوة وصلابة أهالي نجران؛ حيث بدت لحمتهم وقوتهم في وجه المتطرفين والحاقدين أرباب الفكر الضال لتنظيم داعش الإرهابي، فيما ضرب أهالي نجران والمحاذين للحدود اليمنية المثل في صمودهم في مساكنهم وثباتهم، ولم يغادروها منذ انطلاقة الحرب مع الحوثيين لإعادة الشرعية للشعب اليمني الشقيق، ليؤكدوا أنهم سد حصين للدولة، وليس ذلك بمستغرب على أهالي هذه المنطقة التي عُرف أهلها منذ قيام الدولة السعودية الأولى بأنهم أصحاب مواقف مشرفة مع دولتهم ومع حكامها منذ أن تولاها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مرورا بأبنائه البررة، إلى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
مكانة تاريخية مميزة
وتاريخيا، تنسب إحدى الروايات حول تاريخ نجران بداية المدينة إلى "نجران بن زيدان بن سبأ" الذي أسسها بعد ما حل في موقعها. كما عرفت نجران منذ القدم بأنها واحدة من أهم المدن التجارية بفضل وقوعها على مفترق طرق القوافل التجارية الرئيسة القديمة التي كانت تربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، وأفريقيا بالمشرق، محتلة مكانة متميزة في تجارة العالم القديم، وهي العاصمة الإدارية لمنطقة نجران وتشتهر بالزراعة، ويكثر فيها الـنخيل، وأشهر آثارها المنطقة الأخدودية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة البروج، كما أن جبالها لا تزال بكرا تزخر بالمواقع الأثرية والنقوش المتنوعة المليئة بالرسوم.