إن اللهجات المستعارة والمصطلحات الدافقة في رحم الوطن تعطي شارة المجد لمن لا مجد له! وكلما أفلس مفلس أو هوى نجمه، أو داعب مخيلته بريق الأضواء، انتحل صفة ذات رائحة نفاذة، تزكم الأنوف فتلتفت الأضواء إليها بطبيعة الحال! ومن هنا يجد كل من هو باحث عن دور، دورا "سرائبيا" يحسبه الظمآن ماء! ونحن شعوب أغلبها باحثون عن دور إلا من رحم ربي، وأجاركم الله من سحر الأضواء.
ومن العجيب والغريب في هذا اليوم أثناء محادثة (فيسبوكية) رحبت بالصديق الجديد ثم قدم نفسه لي بأنه (ناشط حقوقي يمني)!
فلم أجد بدا من كيل اللكمات على كل من ادعى وعلى من يصب البطولات في إناء مثقوب. من أين أتى لنا هذا المصطلح وما موطنه؟ وما وظيفته ومن تزيا به، في يوم أبطالنا فيه ينشرون صدورهم لهدير الرصاص، ونزف الشهداء كل يوم في كل صوب؟
أي حقوقي أنت وعن ماذا تبحث أيها الحقوقي؟
حينما تشتعل الحرب -ونحن بطبيعة الحال في حرب- فالدين لله والحق للوطن فقط لا غير. على أي حق يتكتلون هؤلاء وبلادهم تضطرم وهويتهم تسبى، وجيوشهم تخوض الغمار، والعالم يحدق كل يوم فيما ستكون عليه هذه الأوطان؟! شيء غريب وعقول نخرها السوس، وأدخلت بلادنا في دوامة لا تنتهي، والحقوق التي كفلها الله وشرعها في كتابه واجبة النفاذ لا مراء في ذلك، لست ضد الحريات وحقوق الإنسان -أعمالي المسرحية تزخر بهذه المبادئ- إنما حينما يغمز الوطن بطرف عين فلا حقوق فوق حقوقه؛ هكذا كانت تعاليم ديننا وهكذا كانت قبائلنا وهكذا كان إرثنا وهكذا كانت أخلاقنا. فلم تكن مستوردة من هيئة دولية أو تحمل شعار (الماركة) المشهورة، فمن أراد أن يعرف حقوق الإنسان فليفتح كتاب الله الكريم الذي لم يدع صغيرة أو كبيرة إلا وذكرها.
تعجبت اليوم وأنا أتابع مشهدا على قناة (صدى البلد) في برنامج على مسؤوليتي، وهي تعرض حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب قول القناة على لسان مذيعها أحمد موسى. هذا العرض يبين أن صنابير أحد الفنادق مبرمجة، فلا تنزل الماء على اليد الداكنة، لكن حينما تتعرض لليد البيضاء تفيض بالمياه عليها! فلا مكان للسود في هذا الفندق ذي النجوم الخمس! بحسب قول القناة
أليست هذا البلاد هي من تتصدر لمفهوم حقوق الإنسان والتفرقة العنصرية والتمييز وما إلى ذلك؟ وهذه سورية والعراق واليمن وليبيا والوطن العربي بأكمله يلتهب ودماء أهلنا دافقة على الشجر والحجر؛ لتمزيق الأرجاء وضياع الهوية ولتشريد الأطفال ولصراخ الثكالى، وها هم الحقوقيون لا يزالون يبحثون عن دور في عصف الحرائق، لعل إحدى الكاميرات تلتقط لهم صورة فيطفون على السطح، ويزهون بأنهم من الحقوقيين! أي حقوق في غمار المعارك سيدي؟
لقد تابعت بعين الناقدة المحترفة فيلم (w)، وهو فيلم أميركي من نوع دراما السيرة الشخصية، أنتج في 2008، والفيلم يتحدث عن فترة حياة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بأيدٍ ومهارات أميركية، من تأليف ستانيلي ويزير، وبطولة جوش برولين، ومن إخراج أوليفر ستون. يعرض الفيلم التخطيط لغزو العراق للاستيلاء على النفط -في العراق وإيران والاتحاد السوفيتي- فالأمر لن يتأتى إلا بالغزو والحرب بحجة حقوق الإنسان (هكذا قالها صريحة برولين في دور بوش الابن)، ولكي تتأتى الإمبراطورية الأميركية المنشودة، وبالتحديد في ذلك الاجتماع الذي انعقد بين بوش الابن، وبين وزرائه لبحث شأن غزو العراق! هذا الفيلم الذي يحب أن يشاهده كل عربي وبالأخص هؤلاء الحقوقيون؛ ليعرفوا من أين أتوا وإلى أين هم ذاهبون؟!
لم يكن يخطر ببالي أنني سأكتب يوما ما مثل هذا المقال، لأنني أكتب وسأظل أكتب في كل أعمالي المسرحية عن الإنسان والإنسانية والحرية والعدل والخير والجمال، ولكن كما يقولون: لكل مقام مقال؛ فالأمر قد تم استغلاله وتسويقه بدوافع لنزوات، أو مراهقة فكرية تبحث عن ذاتها، أو قل بنية حسنة دون النظر في العمق الاستراتيجي للوطن. ولنا في قول رئيس وزراء بريطانيا: حينما يتعلق الأمن القومي البريطاني للخطر فلا مكان عندي لحقوق الإنسان!