استثار كتاب "التكامل والتعاون في أفريقيــا : صعـوبة اللقـــاء الممكن بين النظريات والوقائع" لمؤلفه غي مفيلّ، الصادر حديثاً في بيروت عن مؤسّسة الفكر العربي، مقاربةً غير متمحورة حول النظريات العامة المستخلصَة من إطـار بناء الاتحاد الأوروبي، بل من نظريات التكامل التي تغذيها الأعمال الفلسفية والأنثروبولوجية المؤسَّسة على مبادئ متنوعة.
انطلق غي مفيل (الباحث في العلوم السياسية) من إشكالية أساسية تتمثل في ما إذا كان هناك من نظريات قائمة فعلاً حول التكامل الأفريقي. ذلك أن ثمـة خطابا تكامليا أفريقيا يعود إلى بداية الاستقلالات، بل إلى مـا قبلهـا، صاغـه السياسيون والفلاسفة الأفارقة. غير أن هذا الخطاب لم يحل دون استشعار نوع من اللقاء العسـير بين نظريات التكامل هذه والوقائع في أفريقيا. لذا فإن السؤال المعرفي الأساسي الذي يطرحه غي مفيل في كتابه، يدور حول مـا إذا كان بالإمكان دراسة التكامل الأفريقي انطلاقا من النظريات العامة للتكامل، أي من الأطر التي جرى استخلاصها وبناؤها تبعا لمعاينة البناء الأوروبي؛ وهو ما أفضى إلى البحث في محاولات التنظير حول التكامل انطلاقا من خطاب أفريقي خالص، ومدى تطابق النظرية مع الوقائع أو العكس. وبالتالي، تمحور هـذا العمل حول حركتين كبريين اثنتين: أفريقيا في مواجهة نظريات التكامل العامة، والمحاولات الأفريقية لبناء نظرية في التكامل.
محــاولات لبنــاء نظـرية في التكــامل
أبدى في هذا الصدد ملاحظتين: الملاحظة الأولى هي أن الأفارقة كافة، بمـا في ذلك أصحاب الاختصاص بالشـؤون الأفريقية، متّفقون على الفكرة التي مفادها أن توحيد القارّة هـو مـا سوف يُخرج شـعوبها من البؤس والانغلاق والعزلة السياسية. إلا أن الجانب الأساسي من الفكـر قـد انصرف، منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى أيامنا هذه، إلى مسـألة وحدة أفريقيا، في حين أن التكامل هو – برأي مفيلّ - سـيرورة. إذ تعـود فكرة التكامل الفوري إلى غداة الاستقلالات الأفريقية، وبالتحديد إلى أول تجمع مؤسّسي ذي طابع قاري شهدته أفريقيا تحت اسم "منظمة الوحدة الأفريقية". وقـد أعـاد إليها بعض القادة والمفكرين الأفارقة المعاصرين، الذين ناضلوا من أجل إنشاء الاتحاد الأفريقي للولايات المتحدة الأفريقية، وهجها وبريقها. ومن بين مُنشِئي هذه الصيغة نخبة من قادة الاسـتقلالات وزعمائها ومن زعماء حقبة نهاية سنوات التسعين ومفكّريها، ممّن كانوا يملكون أفكاراً سياسية حول تأليف حكومة قارّية ومفهوماً اقتصادياً يستند إلى إنشاء سوق مشتركة قارية والقطيعة مع القوى الاسـتعمارية التي استعمرت أفريقيا في السـابق.
هذا النمط من التكامل أسماه المؤلف "التكامل الفوري" بسبب محتوى خطاب القادة والزعماء، الذين كانوا يبشرون به ويدعون إليه والمهل التي فرضوها على أنفسهم لتحقيقه.
الكتاب:
التكامل والتعاون في أفريقيــا
إعداد:
غي مفيلّ
ترجمة:
نصير مروّة
الناشر الأساسي:
دار لارماتان