يقال: الطريق إلى جحيم الحرب ممهد بنوايا السلام الحسنة، ففي العصر الحديث يوجد تسطيح وابتذال في استخدام القوة المسلحة تجاه كل من يعادينا على مستوى الشعوب والحكومات، على سبيل المثال: منظمة حلف شمال الأطلسي "OTAN"، التي تأسست عام 1949 بناء على معاهدة تم التوقيع عليها في واشنطن، من أجل حماية الدول الأعضاء بالقوة العسكرية، كجناح مسلح لنظام عالمي غربي، والتي تدخلت في سيادة دول أخرى وشاركت في قتال من تريد بغطاء إنساني بدون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في كل من: كوسوفو عام 1999 وأفغانستان في 2003، حيث كانت أفغانستان أول عملية عسكرية للحلف خارج منطقة عمله التقليدية في أوروبا. هذا الانحراف في الهيكل الأمني للأمم المتحدة، سمح لحلف الناتو بالتدخل في أزمات المنطقة العربية، لا سيما ليبيا عام 2011.
ينص ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقع في سان فرانسيسكو، تاريخ 26 يونيو 1945، على: "نحن شعوب الأمم المتحدة، قد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت للإنسانية أحزانا يعجز عنها الوصف خلال جيل واحد، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة"، فهل التزمت الأمم المتحدة بمبادئها؟
لقد كان فشلها في التسوية السلمية للمنازعات واضحا للعيان، حيث مثلت الحروب في يوغوسلافيا السابقة والعراق مختبرا متميزا في تفكيك القانون الدولي العام.
بموجب القرار 687 أبريل 1991، طالب مجلس الأمن بطريقة تعسفية العراق بالكشف عن كافة أسلحة الدمار الشامل التي يملكها، وقبول تدميرها، وحظر توريد أية أسلحة أو مواد لها صفة عسكرية للعراق، وشكلت لجنة تفتيش خاصة بأسلحة العراق. وفي 22 مايو عام 2003 ، بموجب القرار 1483، أيد المجلس احتلال واستغلال العراق بطريقة غير مباشرة، بناء على اقتراح من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسبانيا، في حين خضعت فرنسا والصين وروسيا؛ للحفاظ على هامش التفاوض على مصالحهم في حال النصر القريب للولايات المتحدة، بينما تشكل النزاعات في أوكرانيا، وسورية، واليمن، أمثلة حديثة على "حروب الوكالة" التي تقف الأمم المتحدة أمامها عاجزة.
نحن نشهد لجوءا جديدا للقوة على أساس الاستعمال الأداتي لحقوق الإنسان، على المستوى العسكري، ظل دور لجنة الموظفين المكلفة بتقديم المشورة والمساعدة في مجلس الأمن حبرا على ورق، وبعد نهاية الحرب الباردة، تحولت وظيفة الناتو من الدفاع الإقليمي عن الدول الأعضاء إلى الحفاظ على الأمن الجماعي العالمي، مواصلا بذلك الانقضاض على صلاحيات الأمم المتحدة.
ما العمل؟ ما تزال "UN" عاجزة عن إنهاء الصراعات الحضارية أو الدينية التي تخفي مصالح جيوسياسية أو اقتصادية، وفي الربط بين القوة العسكرية والاقتصاد، يقول الصحفي الأميركي Thomas Friedman: "إن التكامل الاقتصادي للعالم يتطلب استعداد القوة الأميركية لاستخدامها ضد أولئك الذين يهددون نظام العولمة، من العراق إلى كوريا الشمالية. لا تستطيع اليد غير المنظورة للسوق أن تعمل بدون قوة خفية، لا يمكن أن تزداد أرباح مطاعم ماكدونالدز دون شركة ماكدونيل دوغلاس، التي تصمم مقاتلات F-15، وقبضة اليد الخفية التي تجعل العالم واثقا بتقنيات وادي السليكون التي تدعم الجيش، القوات الجوية، والأسطول البحري للولايات المتحدة".
في ظل حالة الانقسام التي تسود الأمم المتحدة إزاء الأزمات التي تتطلب تدخلا على نحو عاجل، ربما يرى الناتو أنه يمثل البديل العملي لهذه المنظمة، إذ يضم 55 دولة، منها 28 عضوا رئيسيا، و20 دولة ترتبط مع الحلف باتفاقيات ثنائية، و7 دول هي أعضاء الحوار المتوسطي، أي أن الحلف يضم أكثر من ربع أعضاء الأمم المتحدة، يتيح ذلك للحلف التدخل عسكريا خارج نطاق الأمم المتحدة، وإن ظلت القرارات الأممية محددا لهذا التدخل إلى الحد الذي وصف فيه البعض ذلك بالقول "إن مجلس الأمن ليس لديه قوة عسكرية، إلا أن الناتو وأعضاءه لديهما"، فهل يعني امتلاك الناتو للقوة السياسية و العسكرية: وجوب فرض السلام العالمي بالقوة، لا سيما بعد فشل الأيديولوجية السلمية ومحاولات الحوار في القضية الفلسطينية؟
رغم استخدام وثائق الأمم المتحدة تعبير "عدم استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس"، غير أن فكرة الدفاع عن النفس ضاقت حتى أصبحت تعني الحفاظ على قوة الولايات المتحدة ومصالحها، في المقابل، لا تستطيع منع أي دولة من استخدام القوة في حالة الاعتداء على سيادتها في ظل الدور المترهل للأمم المتحدة، وبناء على ذلك، هل يعد الدفاع عن الشعب السوري ضد نظام بربري، اعتداء على سيادة الدولة السورية؟ يجب تحديد الشروط والمعايير التي تحد من ممارسة استخدام القوة العسكرية سواء بين الدول أو بين الحكومات و شعوبها. في هذا المنظور، فمن الواضح -للأسف- أن التضارب بين نطق المبادئ وتنفيذها ما يزال يتجلى في ممارسة المنظمة، الجميع يريد السلام، لكن من ينفذ شروط تحقيقه. إن استخدام الأسلحة يجب أن يكون الملاذ الأخير بعد فشل الإجراءات السلمية مع الآخر. من الناحية العملية، يتراجع استخدام القوة عند ازدياد التبادل الاقتصادي والثقافي والسياسي... إلخ، المتوازن بين الشعوب، ويعد هذا أكثر من مجرد "حوار حضارات"، قد نسميه "تجارة أخلاقية"، أما التحدي الهائل فيتمثل في العودة إلى روح ونص ميثاق الأمم المتحدة الذي ينطوي على الامتثال للمادة 2.1 التي تنص على: "مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها". إضافة إلى ضرورة احترام مبدأ حل المنازعات سلميا، دون حيلة أو ذرائع. الاتجاه الرابع لفرض السلام قد يتمثل في احترام الدول، ووسائل تمثيل الشعوب، وفي حالة السلطة الاستبدادية، يكمن الحل في استعادة الشعوب لدولها للحفاظ على المصلحة الجماعية، وبالتالي عودة الثقة بين الحكومة والمواطنين.