شهدت الأيام الماضية أحداثا ظهر فيها مسؤولون ومشاهير ورياضيون أمام كاميرات الجوال التي كانت تتربص بهم دون علم لتضعهم في رأس قائمة التداول على "الواتساب"، ما يحدث اليوم تنبأ به الروائي جورج أورويل في روايته الأيقونية (1984) التي كتبها عام (1948)، في رواية الأخ الأكبر يحصي على الناس أنفاسهم، ويعد عليهم همساتهم من خلال أجهزة مزروعة في كل شبر من المدينة، ثم يحاسبهم عليها بقسوة تصل إلى الموت، الفرق الوحيد أن الأخ الأكبر في الرواية كان عبارة عن سلطة شمولية، بينما الأخ الأكبر في واقعنا اليوم هو الجمهور في مفارقة تؤكد لنا أن الواقع يتفوق على الخيال.

المشكلة أن كثيرا من المسؤولين لم يعوا بعد التغير الذي طرأ على حياتنا جراء هذه الكاميرات، وما زالوا هم أنفسهم في زمن من الخطر فيه أن تكون نفسك! اليوم ليس من حقك كمدير أن تفقد أعصابك وإن فقدتها عليك ألا تبحث عنها أمام أحد، فأنت لا تدري أين يضع (قبيلك) الكاميرا في يده أو في عينه أو في جيبه أو في أنفاسه!

اليوم عليك أن تتحدث وتتصرف وأنت في مكتبك كأنك على شاشة الـ(إم بي سي)، وإن كان عدم الوعي بوجود هذه الكاميرات مشكلة لدى البعض، فإن الوعي الزائد بوجودها مشكلة أكثر خطورة؛ لأنها ستدخلنا إلى نفق الإدارة (الرومانسية)! والتي يتحمل فيها المدير (غثا) بعض موظفيه ومراجعيه بابتسامة عريضة، ويضيع وقته في محاولة إرضائهم، والحل هو اتباع النظام وتطبيقه مهما كان صارما وصادما.. مع تغليفه بكلمات غزل مثل (أيها الرائع الجميل..أنت مفصول).