سئل ابن قتيبة من أشعر الناس، فأجاب: من أنت في شعره حتى تفرغ منه، وهذا جواب سيشرح نظرية الشيطان الأكبر في المفهوم الإيراني، حيث سيصبح العالم كله ناديا للشياطين، وستبرز رأس واحدة حسب ظروف الحالة الماثلة، فقد يكون فردا بعينه ومفرده، وقد يكون تنظيما أو مذهبا أو دولة، ومرت أمثلة تشهد بهذا، ولن يتسنى تصدير الثورة إلا عبر ثلاثة تصورات أساسية، أولها أن هناك مظلومية تاريخية على الشيعة تحديدا وحصرا، وبما أنها حصرت وحددت فإن الظالم هو من ليس مظلوما، وبما أن المظلوم قد تم حصره فإن الظالم قد تم تعميمه، وإن بدرجات وحسب الظروف، وثانيها أن الثورة الخمينية هي المسؤولة عن رفع المظالم بما تراه من طرق، من حيث إن المرشد الأعلى هو نائب إمام الزمان المنتظر، وبالتالي فإن الولي الفقيه يدير ظروف زمن الانتظار بنصرته للمظلومين، والتعامل مع الظلمة، وكل من والى المرشد فإنه يحصن نفسه من الانتقام حسب درجة ولائه، ولن يسلم الشيعي نفسه من العقاب الصارم إن هو خالف مراد المرشد وقد تم طرد السيد العلامة علي الأمين وعائلته من جنوب لبنان؛ لأنه اعترض على نزول عناصر حزب الله إلى شوارع بيروت عام 2008، حيث ارتكبوا مجازر ضد الشعب الآمن في بيوته وشوارعه، وهي أول بوادر تحول بندقية الحزب من صدر إسرائيل إلى نحور الشعب العربي في لبنان، وهو ما حرك ضمير السيد الأمين فصدع بالحق، وهنا يكون أعاق طرفا من مشروع تصدير الثورة الإيرانية، وهو ما جرى أيضا للسيد محمد باقر الحكيم 2003، حيث جرى تفجيره بعد خروجه من النجف يوم الجمعة في تفجير مرعب طارت أشلاؤه بين شوارع النجف، ووجدوا إصبعه على بعد آلاف الأمتار، حيث عرفوه من خاتمه المكتسي بالدم والتراب، وسبب تفجير الحكيم أنه زعيم وطني كان يخطط لبناء عراق جديد يكون وطنيا وعربيا وديموقراطيا، وهذه كلها نقائض لمشروع تصدير الثورة الإيراني وصار حينها هو الشيطان الأكبر حتى تفرغ منه، حسب قانون ابن قتيبة.

إن كان هذا قد جرى لشيعة من أفاضل وجوه الشيعة علما ودينا ومقاما أسريا، فإنه شامل لكل من عداهم حسب درجة المعارضة لنظرية تصدير الثورة، وهذا ما يحول المعارض إلى شيطان أكبر، على أن الكل هم في الأصل شياطين ويزداد مقام الشيطنة حسب ظرفية المعارضة، وستكون أميركا هي الشيطان الأكبر حتى إذا تم التفاوض معها حول النووي تراجعت درجة شيطانيتها ليحل محلها آخرون، إلى أن تفرغ الثورة من أحدهم لتشرع في الآخر.

هذه سيرة سياسية للثورة الإيرانية ترسم علاقتها مع الآخر، كل الآخر وأي آخر، دون استثناء إلا بدرجات المواربة الظرفية، ولهذا تجنح إيران للمبالغة في التسلح بما أنها تتصور العالم كله شيطانيا، وأن مهمتها ضرب الشياطين كمهمة مقدسة لشرطية وظيفة المرشد الأعلى، وهو مرشد للثورة يدير بوصلتها ويحدد مضاربها مرة تلو مرة حسب التقلب السياسي لتلك البوصلة.

وأخطر ما في نظرية تصدير الثورة هو توسلها بوسطاء ينفذون مخططات التصدير؛ ولذا لجأت لغرس تنظيمات تدين لها بالولاء المطلق، وهذا شرط لا يمكن التفاوض عليه أو التسامح فيه؛ ولذا جرى عزل السيد الطفيلي وهو مؤسس حزب الله اللبناني، لأنه كان يرى أن الحزب يجب أن يكون لبنانيا ويعيش الظرف اللبناني، ولا يكون ذراعا للحرس الثوري الإيراني أو مجرد كتيبة إيرانية تنفذ مراد طهران بغض النظر عن الظرف المحلي والوطني، وهذا القول سيكون إعاقة لمشروع تصدير الثورة ولذا جرى استبعاد الزعيم المؤسس. وتم تصميم الحزب حسب المقاس الإيراني، على أن كل نزعة وطنية هي نقيض لمراد المرشد ونظام التصدير الثوري الذي ظل يسلك طريقه وينطلق في مساراته عبر وسطاء مخلصين لكلمة المرشد بانصياع مطلق لا يسأل ولا يناقش، وهذه خطة لا تتم بمجرد وضع التكتيك التنظيمي، ولكن لا بد أن يصحبها تنظير يمهد الأرض لها ويخلق لها بيئة حاضنة.

ومثلما تتوسل بوسطاء يجري عزلهم عن وسطهم الوطني وتجييرهم جنودا للثورة الإيرانية، فإن مشروع تصدير الثورة يتوسل بمفهوم المظلومية وتخصيصها للشيعة دون غيرهم من الفئات، وتبعا لهذا التخصيص فسيجري تشخيص غير الشيعي على أنه في معسكر الظالمين، أي تخصيص المظلوم وتعميم الظالم، وكل من ليس شيعيا فهو ليس مظلوما، ثم يتصاعد الأمر ليكون ظالما ولن يكون في وارد أن يتم إنصافه بما أنه يحمل خطيئة أولى اقترفت قبل 14 قرنا، وتم الادعاء أن المحيط السني هو المسؤول التاريخي عنها، وتأتي الثورة الإيرانية لنصرة الحق ورد تلك المظلمة، وهذا ما سنقف عليه في المقال المقبل.