كانت صدمة مؤلمة وقاسية حين اكتشفت ثم شاهدت الطفل السوري الغريق يعود إلى الثرى وإلى المقبرة ولكن أين: في مدينة "عين العرب/ كوباني" بكل ما حملته قصة هذه المدينة السورية التي تحولت إلى نقطة سوداء في تاريخ بني يعرب. إيلان، الذي تحول إلى أهم صور هذا العقد المأساوي ليس إلا ضحية حوار بين الذئاب البشعة المفترسة التي اغتالت بأنيابها القذرة منزل والديه في هذه المدينة وبين البحر "الأسود" المتوسط الذي اكتشفنا "إيلان" على شاطئه، وكأن هذا البحر يعود بنا إلى جدل القصة التاريخية الشهيرة إذ يقول: لقد قتله من أخرجه.
مأساة هذا الطفل ليست سوى خراج لمسلسل القصة التالية: ابتدأت الثورة السورية بريئة بيضاء ومسالمة من قلب الجامع القديم في مدينة درعا، ومن شدة الخوف والهلع من بطش النظام الديكتاتوري الفاشي لم يكن لدى هؤلاء من السلاح سوى الهمس الخفي الجماعي: الله أكبر. وكان لهذه الجملة الخالدة أن تكبر وتنتصر لولا أن أباطرة ودهاقنة الحروب الدينية تدخلوا من كل حدب وصوب إلى الدرجة التي حار فيها العقل: من هو الفصيل الذي يحارب باسم هذا الدين العظيم وهو صنيعة استخباراتية صنعها النظام الفاشي. تتجاذب سورية اليوم على الأقل سبعة ألوية وتنظيمات وكل واحدة تكفر الأخرى ولكن للدهشة والمفاجأة دون أن تطلق عليها رصاصة واحدة. جبهة النصرة تكفر "داعش" والأخيرة تكفر لواء التوحيد، واللواء الأخير يكفر بالمسمى الآخر "ألوية الشام" ولكم أن تكملوا بقية السلسلة.
وإذا لم توقظ فينا مأساة #إيلان حسا إنسانيا أخلاقيا وهو يعود من شاطئ البحر إلى المقبرة مع والدته وشقيقته فما هو الفرق ما بيننا وبين الحجر الأسود المتجمد؟
سأختم بكتابة ما قاله والده بالحرف إلى مئات القنوات الفضائية: كانت داعش على أبواب جنوب المدينة وكانت تقتل العوائل من منزل إلى الذي يليه. كان الرعب يملأ المكان في كوباني وكأن الوصول إلينا مسألة وقت مثل موج هادر. أخذت عائلتي وأمام الشبك على الحدود التركية رميت بإيلان إلى الجانب الآخر. كان إيلان في نوبة بكاء صارخة بينما كانت أمه تمد يديها إليه بين أسوار الشبك وكلما لامست كفيه بين يدي جندي تركي هدأ إيلان من البكاء. كنت أشاهد إيلان وهو يختفي بعيدا في سيارة إسعاف. وفي ظلام ذات المساء حفرنا نفقا صغيرا عبرت فيه مع زوجتي وبناتي ثم بدأنا رحلة البحث عن إيلان في الأراضي التركية. وجدناه بعد خمسة أيام وحين شاهد والدته دخل في نوبة بكاء وكأنه يرسل رسالة عتب: لماذا رميناه من فوق الشبك. كنا نريده أن يعيش ليموت. لكنه مات لأبقى حيا أتمنى الموت.. انتهى.. اخجلوا يا بني يعرب من هذه القصة.