رأى علماء شيعة أن بعض الطقوس التي تمارس في ذكرى عاشوراء - تصادف اليوم-، ويختص بها الشيعة دون غيرهم من بقية المسلمين مثل التطبير، غير جائزة بحسب أغلبية المراجع الشيعية، مشددين على أهمية استبدالها بمظاهر حضارية مثل التبرع بالدم.

وقال الشيخ حسين صالح العايش "التطبير مورد اختلاف كبير بين علماء الإمامية، وأكثرهم يرى حرمته باعتبار مخالفته بعض النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت". ويقول البعض إن التطبير بدأ بعهد الصفويين، وإنه كان في بلاد القوقاز مسيحيون يقومون بتعذيب جسدهم فداء للسيد المسيح، وكان في القوقاز عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران.




في العاشر من الشهر المحرم من كل عام تقام طقوس، يحيي بها الشيعة الإمامية ذكرى اليوم العاشر أو ما يسمى "عاشوراء"، عبر شعائر يختصون بها عن باقي المسلمين الذين يتساءل كثير منهم عن حقيقة هذه الشعائر والطقوس؟ ولماذا يصر الشيعة على إحيائها.

"الوطن" سلطت الضوء على حقيقة هذه الشعائر والطقوس، موجهة سؤالها لبعض شيوخ الطائفة الشيعية الذين أكدوا فيها على الاختلاف حول هذه الشعائر والطقوس، مبينين أن أغلبية المراجع لا تجيز التطبير، مشددين على أهمية استبدالها بمظاهر حضارية مثل التبرع بالدم.


التطبير

ولفظة "التطبير" لفظة عامية تستخدم في العراق وما جاوره من عرب الجزيرة الشمالية والجنوبية والخليج والأهواز، فيقولون طبر الخشبة أو العظم بالطبر "الفأس أو القدوم أو الساطور في الشام"، ويقصدون الضرب بالساطور وغيره من الأدوات الحادة، ويرى البعض أن للفظ أصولا تركية أو بابلية لأن "طَبَرَ" في العربية الفصحى لا تصح إلا بمعنى قفز واختبأ.

شعيرة يمارسها المسلمون الشيعة الإثني عشرية -بعضهم يرفضونها- ضمن الشعائر المسمية بالشعائر الحسينية التي تقام لاستذكار معركة كربلاء والقتلى الذين قضوا فيها مثل الحسين بن علي وأخيه العباس.

ويستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس، ويرددون أثناءها كلمة "حيدر" التي تشير إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي توفي بضربة سيف وجهها إليه عبدالرحمن بن ملجم حين صلاته.

وتخرج مواكب التطبير في عاشوراء والأربعين، وأحيانا في ليلة وفاة علي بن أبي طالب، وليلة وفاة فاطمة الزهراء.





المنشأ

اختلفت الأقوال في تحديد منشأ التطبير، لكن الأقوى أن التطبير انتقل من أتراك أذربيجان إلى الفرس ومن ثم إلى العرب، فذهب إبراهيم الحيدري الخبير في علم الاجتماع في كتابه تراجيديا كربلاء إلى أن هذه الطقوس والشعائر لم يكن لها وجود قبل القرن الـ19 في العراق، إذ بدأ رواجها بالتدريج في أواخره، وبالتالي فإنها شعائر دخيلة وليست لها جذور عربية، حيث لم يشارك العرب العراقيون حتى بداية القرن الـ20 فيها، فكانت تقتصر على أتراك العراق والصوفيين وأكراد غربي إيران.

وفي تقرير للسلطات البريطانية حول مراسم عاشوراء عام 1919 في النجف ذكرت أن نحو مئة من الترك العراقيين قاموا بالتطبير في مراسيمهم في ذلك العام.

وهناك قول بأن التطبير بدأ في عهد الصفويين، والشيء الذي قد يكون معقولا هو أنه كان في بلاد القفقاس مسيحيون يقومون بتعذيب جسدهم فداء للسيد المسيح، وكان في القوقاز عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران عندما كانوا يذهبون لزيارة ضريح علي بن موسى الرضا. 




العايش: الممارسة تخالف النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت

يقول الشيخ حسين صالح العايش "البكاء على الحسين -عليه السلام- عِبرة وعَبرة، عاطفة وعقل، فهم للواقع ويقظة ضمير للتفاعل معه".

وعن المستند الشرعي الذي يستند إليه الشيعة في إحياء هذه الذكرى، قال "ذلك مستنبط من القرآن الكريم في قضية يعقوب مع ابنه يوسف، عليهما السلام، قال تعالى {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (يوسف:84).. ومن الواضح أن بكاء هذا النبي الكريم على ابنه لم يكن للعاطفة المحضة وإنما لشجب الظلم وإدانته وضرورة الاستمرار في ذلك الشجب وتلك الإدانة ليتاح لأخوة يوسف -عليه السلام- أن يصلوا إلى يقظة ضمير تعيدهم إلى الرشد وتوصلهم إلى السداد، وهذا ما أراده النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام، في البكاء على الحسين، عليه السلام، لهذا جاءت الروايات صريحة لا لبس فيها لدى الفريقين "السنة والشيعة" كالأحاديث التي وردت في مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج1 ص85)، وما رواه الحاكم في المستدرك 3/ 176".

وعن حقيقة بعض الشعائر والطقوس التي ربما كانت مستهجنة من كثير من المسلمين قال "أما الشعائر الأخرى ومنها: التطبير فهي مورد اختلاف كبير بين علماء الإمامية، وأكثرهم يرى حرمتها باعتبار مخالفتها بعض النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، والتي تحدد بأن أشد الجزع هو البكاء واللطم على الصدور، أما ما عدا ذلك فلا يندرج في الجزع كما حدده أئمة أهل البيت عليهم السلام".


 


السليم: بعض المراسم العاشورائية محل جدل واختلاف

يرى الشيخ رياض السليم أن "الإسلام دين الرحمة الإلهية المهداة لكل العالمين، وقد أراد الله لهذا الدين أن يكون الخاتم لكل الأديان والمهيمن عليها، ولأجل هذا جعل الله هذا الدين كاملا ومتكاملا وصالحا لكل زمان ومكان، بحيث لا تخلو واقعة إلا ولله فيها حكم، ولكل حكم ميزان، وبميزان الله -عز وجل- قامت السموات والأرض، وبالميزان أعطي الإنسان العقل ليميز بين الخبيث والطيب، ويميز بين الحرام والحلال، وبالعقل يثاب الإنسان ويعاقب.

والإسلام دين متكامل يتناغم مع الفطرة ويواكب تطورات العقل البشري، بل هو من يرسم للعقل البشري مسيرة تطوره وتقدمه.

والمراسم العاشورائية تأتي في سياق إحياء ذكر أهل البيت الذي ترى الشيعة أنها من المستحبات الأكيدة الذي يكون من خلالها تعليم الناس سيرة الرسول وأهل البيت، وتعليم الناس المعارف الإسلامية كعلوم القرآن والسنة والحديث وعلوم الحلال والحرام".

وعن الكيفية التي طور بها الشيعة هذه الطقوس، والاختلاف حولها بينهم، قال "خلال القرون التي مضت طور الشيعة أساليبهم الخاصة في تعليم الناس المعارف الإسلامية والتعريف بقضية الإمام الحسين كما يطور الأستاذ أساليبه التربوية ويبتكر طرقا جديدة في تعليم تلاميذه. وكذلك توجد بعض الأساليب التربوية قد يقال عنها إنها كانت ناجحة في زمان ما ولكن جاءت النظريات الحديثة وشككت في جدواها، وبالمقابل أيضا توجد بعض المراسم العاشورائية التي يدور الجدل حول جدواها، خصوصا في هذا الزمن.

وتوجد بعض المراسيم لا يختلف اثنان في الإسلام حول استحبابها مثل اجتماع المؤمنين لتعلم القرآن وتعلم الحلال والحرام والتعرف على سيرة الرسول وأهل البيت.

وبعض المراسيم لا يختلف اثنان حول إباحتها كالشعر والإنشاد والفنون بمختلف أشكالها، وإذا ما تم توظيفها للدعوة والإرشاد والتبليغ الإسلامي فإنها تكون أكثر رجحانا.

وبعض المراسيم اختلف حولها وحول جدواها وشرعيتها بين مؤيد ورافض كالتطبير".


 


العمير: مظاهر الحزن غير مستساغة

ووصف الشيخ محمد العمير التعبير عن الحزن الذي يظهره الشيعة في مثل هذه الأيام من كل سنة بأنه أسلوب لبقاء منهج أهل البيت، وأنه ليس هدفا في حد ذاته، وقال "الدراسة المتأنية للمظاهر المتنوعة للشيعة في أيام عاشوراء عبر التاريخ تثبت أنهم يتذاكرون علوم أهل البيت وأسلوبهم في حماية الإسلام والمسلمين.. والحزن لم يكن غرضا مستقلا، وإنما هو أسلوب لبقاء منهجهم متوقدا حاضرا في وجدان المسلمين، لذلك كان الإمام الثامن علي بن موسى الرضا دائما ما يكرر: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا، لذلك شجعوا أتباعهم على الحزن والبكاء عليهم وزيارتهم واستحضار ظلامتهم، لتبقى جذوة الحزن متقدة عبر العصور.

وقد أطلق العلماء على ذكرى الحسين سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها ذكرى العَبرة والعِبرة، لذلك فإن جميع المظاهر الحزينة – قديمها وحديثها- الممزوجة بالوعي العميق لأهداف أهل البيت تمثل أسلوبا حضاريا تعبر عن تاريخ وتبني المستقبل، وكل مظاهر حزينة غير مستساغة في مجتمعاتنا الإسلامية من شأنها أن تبعد الآخر عن الإمام الحسين ووجهه الحضاري؛ وقد أفتى الفقهاء بحرمة كل ممارسة من شأنها تشويه الإسلام وأهدافه".


 


عساكر: العامة يقلدون دون وعي

وعرض الباحث علي عساكر للجذور التاريخية لإحياء عاشوراء، قائلا "الطقوس التي يمارسها الشيعة في هذه الذكرى، تظهر مشاعر حزنهم ولوعتهم على مصاب الإمام الحسين، والبكاء له، واللطم عليه، إضافة إلى الوعظ والإرشاد الذي يقوم به الخطيب الحسيني من خلال المنبر، ونحن ندعو جميع إخوتنا من المذاهب الأخرى، لحضور الحسينيات، والاستماع فيها إلى ما يتم طرحه من خلال المنبر، والنظر بأم العين إلى ما نقوم به من طقوس خلالها، ولا يكتفون بما يسمعونه عنها، وأثق أن حضورهم سيصحح كثيرا من الأفكار المغلوطة التي أخذوها عن الشيعة، نتيجة كذب الدجالين عليهم".

وعن مصاحبة إحياء عاشوراء بعض الطقوس المستغربة، قال "ربما يصاحب إحياء هذه الذكرى بعض الطقوس الخاطئة من بعض العامة، أو بعض الطقوس التي هي ليست محل الاتفاق والتسالم عليها عند جميع علماء المذهب، ولكن لا يصح أن ننسبها إلى الطائفة الشيعية، ونشنع عليهم، ونتهمهم بكل طامة بسبب ذلك، إلى حد أن يتجرأ البعض ويخرجهم حتى من الدين، ويبيح قتلهم، وهتك أعراضهم، وسلب أموالهم... ففي هذا ظلم كبير لهم، والله لا يحب الظالمين.. ومن أراد التعرف على مذهب الشيعة أو غيره من المذاهب، فلا يصح أن يتعرف عليه من خلال ممارسة العامة من الناس، الذين هم ـ في الأعم الأغلب ـ يفتقرون إلى المعرفة والبرهنة، وربما انطبق عليهم (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)، بمعنى أنهم يقلدون ما ألفوا عليه الآباء والأجداد دون وعي أو معرفة، بل يجب في هذه الحالة الرجوع إلى كبار العلماء والنظر في أقوالهم، والوقوف على المصادر المعتبرة التي تبين حقيقة المذهب، وما يرتكز عليه من عقائد وأصول".




آراء مرجعيات في جلد الذات

[هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات، هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة، بل هي مضرة بالمسلمين، وفي فهم الإسلام الأصيل، وفي فهم أهل البيت عليهم السلام، ولم أرى أيا من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول إن هذا العمل مستحب يمكن أن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى.. إن قضية التطبير هي غصة في حلوقنا".

السيد محسن الحكيم


[لم يرد نص بشرعية إدماء الرأس وما شاكل فلا طريق إلى الحكم باستحبابه]. المسائل الشرعية ج2 ص 337ط دار الزهراء بيروت.

السيد أبو القاسم الخوئي


في جواب لسؤال الدكتور التيجاني حين زاره في النجف: [ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه] كل الحلول عند آل الرسول ص 150 الطبعة الأولى 1997م للتيجاني.

السيد محمد باقر الصدر


[استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين عليه السلام هو محرم وغير شرعي] كتاب هكذا عرفتهم الجزء الأول لجعفر الخليلي.

السيد أبو الحسن


[على المؤمنين الإخوة والأخوات السعي إلى إقامة مراسم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية وأوامر الأئمة عليهم السلام، ويتركوا جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء ضد الإسلام، إذ عليهم اجتناب التطبير وشد القفل وأمثال ذلك].

ناصر مكارم الشيرازي

[لقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الأعمال والطقوس فكان لها دور سلبي في عطاء الثورة الحسينية وأصبحت مبعثا للاستخفاف بهذه الشعائر مثل ضرب القامات]. عن كيهان العربي 3 محرم 1410هـ.

محمد مهدي الأصفهي

[... كما أن ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال] كتاب المجالس السنية الطبعة الثالثة ص7.

السيد محسن الأمين

[... ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران من العادات المشينة كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم بدعة في الدين والمذهب، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب، إذ توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الإهانة والضرر].

محمد جواد مغنية