كثيرا ما يُسلّط الغربيون الضوء على بعض قوانين الإسلام تجاه المرأة حسب نظرهم، وينسون أو يتناسون أنهم ورثوا أسوأ تاريخ للتعامل مع المرأة إلى زمن قريب! بينما بقراءة النموذج الإصلاحي والعادل الذي جاء به الإسلام نجد حجم الفارق الكبير بين رؤية الإسلام للمرأة وبين جميع الأديان والمذاهب آنذاك الذي كان قبل 15 قرنا من الزمان! وهدف هذه المقارنة هو فقط إبراز بعض الجوانب التي قد يغفل البعض عنها.
فبينما المرأة في الإسلام هي أم البشرية وتحمل الحق الأكبر في الرعاية أكثر من الأب، ولكنها حسب الرؤية المسيحية سبب الخطيئة التي أغوت آدم عليه السلام، وهي سبب الإثم والمعصية في الكون، وجاء هذا في العديد من المواضع في الكتب المقدسة لديهم، بينما رواية الإسلام أن الإغواء جاء من إبليس (فدلّاهما بغرور)، وليس المرأة المتمثلة في أمنا حواء عليها السلام. ومن هذا الأصل؛ جاءت الكثير من التشريعات المسيحية مثل أن المرأة نجسة في فترة الطمث والنفاس حتى تنتهي، بل في أحد النصوص أنها تنجس أي شيء تلامسه أيضا!
وعند الحديث عن الحقوق؛ فأبرز تلك الحقوق هو حق الميراث الذي كفله الإسلام للمرأة في تلك المرحلة السوداء التي كانت المرأة فيها جزءا من الإرث ولا ترث شيئا! فعند وفاة الزوج فإنها تكون إرثا لأخ الزوج المتوفى إن أراد زواجها دون قرارها في مصيرها (سفر التثنية)، بينما حرم الإسلام مجرد الشغار في النكاح، وكفل للمرأة حق فسخ النكاح في حال تزويجها دون رضاها.
كما أن المرأة لم يكن لديها شخصية مالية مستقلة، بل كانت تصرفاتها المالية مرهونة بموافقة الزوج، وهو مبدأ قانوني معروف في بريطانيا مثلا بـ(Coverture)، استمر العمل عليه إلى أن صدر قانون (Married Women's Property Act) عام 1893، واستمر هذا أيضا في أميركا إلى الستينات الميلادية، بينما هذا حق مكفول للمرأة في قانون الإسلام قبل 15 قرنا!
هناك الكثير من التشريعات في المسيحية تأتي في هذا السياق، والتي تعدّ مخالفة لمبدأ فطرة الإنسان مثل منع الطلاق بين الأزواج، حيث يُعتبر الزواج لديهم عقدا مقدسا من الله ولا يحق للإنسان فكه، بل يجب على المرأة والزوج أن يستمرا في علاقة الزواج مهما كان الأمر إلا في حال زنى أحد الزوجين أو اختلال أحد شروط صحة العقد التي نادرا ما تحدث، بينما يراعي الإسلام فطرة الإنسان وطبيعته التي ترتبط بالخطأ والخلاف الذي قد ينشأ في أي وقت، ولذا لجأ الكثير من المسيحيين إلى الطلاق المدني، وبعض الطوائف المسيحية الحديثة اضطرت إلى إلغاء الحكم وتغييره، ووصل الأمر إلى اعتبار أن الزواج بعد الزوجة الأولى يعتبر زنا، كما أن الزواج من مطلقة يعتبرونه زنا (إنجيل لوقا ومتى)، بينما في الإسلام هناك عدد من الطرق لإنهاء عقد الزوجية بين الخلع والطلاق والفسخ حسب الموقف والحاجة، مما يتوافق مع فطرة الإنسان وحقه في اختيار شريك حياته.
سبق أن كتبت مقالا بمقارنة بعض التشريعات اليهودية ورغبت في إلحاقه بآخر عن المسيحية، والهدف "مقارنة قانون الإسلام بقانون المسيحية في مرحلة بزوغ الإسلام، وإبراز الكثير من المفاهيم التي أسسها الإسلام قبل 15 قرنا، وكيف أن الكثير من تلك المفاهيم الإنسانية لم تأت للغرب اليوم إلا في مراحل متأخرة جدا عن الإسلام، وإن كان لدينا مشاكل كثيرة جراء الممارسات والفهوم الخاطئة للإسلام اليوم إلا أن محاكمة الإسلام (بما فيه اجتهادات الفقهاء) بمفاهيم اليوم دونما معرفة تاريخ نشأته وظروفها قد يكون مجحفا كثيرا".
ولا يفوتني ذكر أن الكثير من المذاهب المسيحية الحديثة لا تؤمن بكل هذه الأفكار التي سبق عرضها، حيث هناك الكثير من الإصلاحات والتجديد داخل تلك المذاهب، وإن كان أغلب هذه الأفكار جاءت بنصوص الكتب المقدسة لديهم، كما أن هناك تفاوتا كبيرا بين طائفة وأخرى.
الخلاصة؛ أن الإسلام يعتبر صرخة إصلاحية وحداثية قبل خمسة عشر قرنا، لا توجد أي فكرة تشابهه في تعزيز حقوق الإنسان والمرأة، بل وحتى الحيوان، خاصة إذا ما قارناه بالقوانين والأفكار السائدة آنذاك، ولكن وللأسف فإن بعض الاجتهادات والأفكار تحاول إعادة الاستبداد وهضم الحقوق بتفسيرات قاصرة وبعيدة عن مقاصد الإسلام العامة التي جاء بها، وما زلنا قاصرين عن إيجاد رؤية حديثة وعصرية لقراءة الإسلام بشكل يتوافق مع تلك الصرخة التي جاء بها الإسلام قبل 15 قرنا.