شاهدنا جميعا في الأيام والأسابيع القليلة الماضية موجات النزوح والهجرة الكبيرة لأشقائنا السوريين نتيجة القصف المستعر بالبراميل المتفجرة من قبل النظام السوري الإرهابي والميليشيات الإجرامية التي تقاتل معه وتعمل على تصفية شعبه. وتساءل الكثير منا لماذا أوروبا؟ لماذا اختاروا القارة الأوروبية لتكون وجهتهم ومحط رحالهم دون غيرها؟ رغم ما سيعانونه من مشقة وجهد ومصارعة للمخاطر والموت أثناء النزوح إلى تلك القارة البيضاء؟ وهل ضاقت بهم ديار المسلمين حتى يلجؤوا إلى بلاد أوروبا للإقامة فيها؟ أهو لجوء المضطر الذي تقطعت به السبل أم رحلات للرفاهية والبحث عن حياة مترفة بحجة الاضطهاد في الداخل؟ أهم مغامرون ومنتحرون يعرضون حياتهم وحياة أطفالهم للخطر؟ أم فارون بحياتهم من الجحيم المستعر على أمل العودة بعد أن تضع الحرب أوزارها؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة دعونا نطرح على أنفسنا عدة أسئلة..
أولا: على المستوى الرسمي هل تضمنون لهم دخولا آمنا وإجراءات بسيطة وسلسة لبلداننا العربية والإسلامية؟ وفي حال نجحوا في الدخول هل تضمنون لهم معاملة كريمة ولائقة؟ وهل ستسهل لهم الإجراءات وتوفر لهم فرص الحصول على عمل كريم وسكن بأماكن تحفظ آدميتهم كبشر؟ هل سيعاملون في دولة اللجوء كما يعامل المواطن صاحب البلد؟ وهل إن حدث لأحدهم مشكلة سيلقى معاملة عادلة ومنصفة من الجهات الأمنية والإدارية ببلد اللجوء؟
ثانيا: على المستوى الشعبي هل سيتقبلهم أشقاؤهم في دولة اللجوء بالود والترحاب؟ أم سيكونون مادة سهلة للاستغلال بأبشع وأقسى أنواعه؟ والنظر إليهم نظرة ازدراء وحنق وحقد وسخرية؟
إن نظرنا بعين الإنصاف لمأساة أولئك اللاجئين إلى أوروبا لوجدنا معهم كل الحق في اللجوء إليها.. كيف لا وفي تلك البلاد يكون المعيار الحقيقي للتعامل مع البشر بروتوكولات حقوق الإنسان والمعايير الدولية المتفق عليها التي لا تفرق بين مواطن وآخر ولا تصنفه حسب جنسه أو لونه أو دينه أو لغته.. فالجميع يعيشون سواسية في تلك المجتمعات تحت مظلة قانون قوي ومنظومة إدارية موحدة تطبق على الجميع، حيث لا مكان للواسطة والمحسوبية أو الرشوة أو النفوذ، فالمعيار هناك للأكفأ والأصلح والأجدر.
أما بالعودة إلى بعض بلداننا العربية والإسلامية فنجد الوضع فيها يختلف 180 درجة، حيث يعاني مواطنو تلك الدول من التهميش والتقليل من قدراتهم، ويعانون من المشكلات الاجتماعية القاسية كالبطالة وأزمات السكن وتوفير الحاجيات الأساسية التي تكفل لهم حياة كريمة.. إضافة إلى الفساد المستشري كالسرطان في أجهزة بعض دولنا العربية والإسلامية التي بات ينهش فيها نهشا حتى النخاع.
هذا حال مواطني تلك الدول فكيف سيكون مصير من يلجأ إليهم؟ بكل تأكيد سيكون مأساويا وفظيعا أكثر منهم، وحتى لا أتهم بأني صاحب نظرة سوداوية مجحفة أو أنظر إلى جانب واحد فقط من الكوب يمكنكم الرجوع لأخبار اللاجئين في بعض الدول العربية دونما ذكر أسماء خلال السنوات الماضية وستعرفون حجم معاناتهم التي يندى لها الجبين، فهم يعيشون على ما توفره المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من معونات تزداد وتنقص حسب رؤى تلك المنظمات المانحة وسياساتها.
وكم قاسوا وعانوا من عدم توفير أبسط الحاجيات كمنزل بسيط دافئ يؤويهم ويحميهم من برودة الشتاء القارس ولهيب الشمس وحرارتها في الصيف القاسي، ناهيك عن توفير فرص عمل كريمة لهم!
نعم هناك بعض البلدان استضافتهم وعاملتهم كمواطنين من مواطنيها لكن القاعدة ليست دائما عامة، والقصور والإجراءات البيروقراطية والقوانين وثقافة موظفي ومسؤولي بلداننا تقف حجر عثرة أمام هؤلاء.
قبل أن نوجه الانتقادات واللوم ضد هؤلاء المساكين من اللاجئين إلى بلدان الغرب علينا جلد ذاتنا ومحاسبة أنفسنا قبل كل شيء.