الكاتب مقاتل حذر. حروبه مع أفكاره بكل جنونها وعنفوانها وشيطنتها وبراءتها وكرّها وفرّها، هي أسمى وأثمن معاركه. شعوره المتمكن بأنه حينما يكتب يحارب ليثبت لذلك المنفى الذي يسكنه بأنه ما يزال على قيد الحياة والوعي. حَربة قلمه المسنونة متأهبّة دائما لاقتناص كل فكرة شاردة متبخترة مرّت أمامه ليهبها قربانا لجوع أسئلته ونهم دهشته. عزلته الصامتة وقود لا ينضب لإرواء شعوره بأنه خُلق ليهدي هذا الكون وعيه وفكره.

هو ذلك الواقف المتأمل المفاوض الساكن بين إلحاح الأسئلة وهطول إجاباتها. يغريه الوطن للكتابة عن قضاياه وهمومه. تدعوه السياسة كثيرا إلى مغازلتها. يخيفه الاقتصاد ولغة الأرقام فيشرع رايات أوراقه البيضاء استسلاما. مبحر دائما في عظمة هذا الوجود الرباني الإعجازي المذهل. مؤمن بأن الحياة محاولة استكشاف.

من فوضى أوراقه واستقامة أسطره تزهر سنابل إبداعه وتستفيق معه الأحرف فناجين قهوة في صباح شتوي ممطر. يرهقه غياب الضمير الإنساني عن التعاملات الحياتية اليومية اللحظية. تحزنه قصص الموت وفصول رواياتها المتجسدة في جسد بعض عواصمنا العربية حتى أمست نوافذ حزن وفقد واستعلاء وطغيان تعلو لغة الرصاص على روحانية السلام باستخدام الأديان ذريعة لتنفيذ أجندات سياسية وأضغاث دول تتعامل مع الإنسان كدمية إسفنجية تملؤها حقدا وكراهية.

القارئ الجيد للتاريخ يمتلك المعرفة بأن العدالة هي المنتصرة في نهاية المطاف للإنسان وللحياة وللبناء، ولكن الأثمان ستكون باهظة.

هو قدرك إذًا أيها الكاتب المقاتل المؤتمن، أن تكون صوتا طاهرا شجيا للإنسانية والبقاء والسلام.