لفت انتباهي خبر حقوقي طازج نشر على موقع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عن تدشينها لخدمة "جوال حقوق الإنسان" بالتعاون مع شركة فندا للاتصالات وذلك ضمن برنامج الجمعية الذي يهدف إلى نشر الثقافة الحقوقية بين جميع أفراد المجتمع مواطنين ومقيمين، إعمالاً لمبدأ "من لا يعرف حقه لا يستطيع أن يطالب به". ويُتوقَّع أن تساعد هذه الخدمة على التواصل بين أصحاب الحقوق والمظالم ومقدمي الشكاوى والجمعية. وأياً كانت الخدمات التي ستقدمها الجمعية عبر هذه المبادرة وعن طريق هذه الشركة التي لم أسمع باسمها من قبل، فهي بكل تأكيد مقدمة لمساهمة إيجابية في نشر الثقافة الحقوقية بين أفراد المجتمع من المواطنين والمقيمين ليتعرف كل فرد في المجتمع، رجلاً كان أو امرأة، على حقوقه التي كفلها له الشرع والنظام، كما أن هذه الخدمة ستسهل على المتظلمين أو مَنْ يرصد أي تجاوز أو تعدٍّ على الحقوق التبليغ عنها من خلالها، مما يفعل آلية المتابعة والرصد، كما يقول الخبر.
وبالرغم من كون الثقافة الحقوقية ثقافة ناشئة في مجتمعنا، إلا أن التقدم النسبي في مجال الوعي بحقوق الإنسان والذي تحقق منذ تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2004 يعتبر أمراً مثيراً للاهتمام والتحليل من أجل البناء والاستمرارية والتطوير. فالجمعية قامت بجهد طيب أدى إلى تداول مفهوم "حقوق الإنسان" ليصبح مفردة صديقة في قاموسنا المجتمعي الحقوقي يهرع إليها كل من أحسّ بأنه مظلوم أو أن له حقاً مهدراً لم يستطع الحصول عليه. وهذا الانتشار المحمود للثقافة الحقوقية وضع بلا شك عبئاً كبيراً على الجمعية لسببين أولهما: كون الجمعية المؤسسة الرسمية الأولى التي تتعامل مع قضايا الحقوق؛ وثانيهما حداثة وعي المواطنين باختصاصات الجمعية بحيث أصبح يلجأ إليها حتى في الأمور التي ليست من اختصاصها إذ في الغالب لا يعلم المواطن أن الجمعية ليست سلطة تنفيذية وليست بديلاً عن القضاء ولا عن الأجهزة المعنية بتطبيق الأنظمة.
ولقد قامت الجمعية بتنفيذ العديد من الدراسات والبرامج التثقيفية من ندوات وورش عمل في مختلف مناطق المملكة. وفي خطوة جريئة قامت الجمعية أيضاً بإصدار عدة كتيبات صغيرة خاصة بحقوق الإنسان في سلسلة "اعرف حقوقك" باللغتين العربية والإنجليزية منها "حقوق السجناء والسجينات وواجباتهم"، "حقوق المتهم"، "حقوق الطفل في الإسلام"، "حقوق المعاق" "اتفاقية حقوق الطفل"، "حملة أنا بشر" و"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
إلا أن الملاحظ أن مفهوم الحقوق لدى المواطن لم يزل مقتصراً على "حقوق الإنسان" ولم يتعده إلى حقوق المواطن الشاملة بكل أبعادها السياسية المدنية الحديثة. وهذه الحقوق مكفولة كما هو موضح في الأنظمة السعودية (62 نظاماً)، بالإضافة إلى مشاريع الأنظمة الجديدة المقترحة من قبل الجمعية مثل حقوق المتقاعدين وحقوق السعودية المتزوجة من أجنبي وغيرها، والتي نأمل أن تأخذ مسارها سريعاً في مجلس الشورى تمهيداً لإصدارها رسمياً ومن ثم تفعيلها. إن تعريف المواطن ورفع وعيه بالحقوق المدنية المكفولة له من قبل الأنظمة هو الخطوة الأولى التي يجب الوصول إليها من خلال زيادة التعاون بين الفرد والأجهزة الحكومية وغير الحكومية خارج إطار الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. إذ إن الجمعية ليست الجهة الوحيدة التي تقع عليها مسؤولية حماية الحقوق والمطالبة بها فكل جهاز حكومي وكل مؤسسة خاصة مطالبة أيضاً بأن تحمي حقوق موظفيها والمتعاملين معها. وكما أن للمواطن حقوقا فإن عليه واجبات من ضمنها مسؤوليته في إبداء رأيه وإيصال صوته للجهات المختصة، وهذا لا يمارس واقعاً إلا إذا عرف المواطن حقوقه من خلال تعرفه على الأنظمة المعمول بها في مجتمعه. إن أحد أبرز الصعوبات أمام المواطن هي حداثة الوعي الحقوقي وضعف الاهتمام بالتعرف على تلك الحقوق، ومن ثم تردده في المطالبة بها ومن ثم استمرار أنماط الشكوى السلبية التي تنتهي إما إلى الشعور بالإحباط وخيبة الأمل أو إلى الغضب المكبوت والانعزال عن المجتمع. لنضرب مثالاً بسيطاً واقعياً لحق المواطن الغائب أو المغيب، فكم منا يعرف أن له الحق في إبداء رأيه وإيصال صوته من خلال المجالس البلدية في منطقته. الفقرة (ل) من المادة الخامسة في اللائحة التنفيذية لنظام المجالس البلدية تنص على أن من مهام المجلس البلدي أن "يدرس الشكاوى والملاحظات والاقتراحات التي ترد إليه من المواطنين، وله أن يعقد لقاءات دورية أو ورش عمل معهم كل أربعة أشهر"، فكم هي نسبة الملاحظات والاقتراحات التي ترد إلى المجلس وكم لقاء دوريا أو ورشة عمل عقدها المجلس مع المواطنين (رجالا ونساء) حيث لم تحدد اللائحة جنس المواطن.
وما هذا إلا مثال على مجال لضياع الحقوق بسبب حداثة وعي المواطن بها أولاً وتجاهل المسؤولين عن التعريف بها. إن الهدف من هذه المؤسسات المدنية والحكومية هو خدمة وحفظ حقوق جميع فئات المجتمع من المواطنين والمقيمين في الأمن والتعليم والعمل والصحة وغيرها من المجالات الحياتية، شاملة حقوق الموظف والسجين والمرأة والطفل. ولا يمكن لأفراد المجتمع الحصول على هذه الحقوق إلا بتعرفهم عليها أولاً وهذه هي مسؤوليتهم هم قبل غيرهم.
إن معرفة المواطنين بحقوقهم المدنية هو الخطوة الأولى نحو مجتمع متفاعل قادر على السير بعملية الإصلاح والتنمية الشاملة قدماً نحو حل المشاكل، أو على أقل تقدير، المساهمة في حلها، وتعميق الوعي الاجتماعي والانتماء الوطني وفتح ميادين جديدة للخدمات والأنشطة وتعزيز مفهوم المشاركة الشعبية في صنع القرار وخلق آلية للرقابة والضبط لعمل الحكومة وهيئاتها. فإلى المزيد من الحقوق المدنية والإنسانية في مجتمعنا وإلى المزيد من الوعي بهذه الحقوق.