المسرح السعودي يعيش حالة من الحراك الجيد في هذه الآونة، إلا أن هناك نوعا من التوتر في انسيابية هذا النوع من الفن! وعلى سبيل المثال نجد أن العرض لا يتعدى يوما أو يومين في أغلب العروض؛ بينما نجد أن العرض المسرحي في أي بلد عربي أو عالمي يستمر عدة أشهر وفي أدنى مستوى خمسة عشر يوما.

هذه إشكالية تشكل إهدارا للفكر والمال والمجهود والإبداع، فلماذا لا نتساءل عن كنه المشكلة؟

إن لب القضية يكمن في درجة إقبال الجمهور على العرض، وتدني الإقبال يعمل على إقفال العرض بطبيعة الحال، ولن ينهض المسرح السعودي إلا عندما يسجل إقبالا ويسجل أياما تقيس مدى نجاحه من عدمه.

دعونا نعمل على مقياس نقدي يخضع لظروف المجتمع وبيئة المسرح، وعندما عملت على دراسة عن أثر الهوية الإسلامية على المسرح السعودي، نتج أن الوجدان المجتمعي ودرجة وعيه وفهمه للسمر هي من تحجم من نهضة المسرح في بلادنا.

المجتمع السعودي في هذه الحقبة يشابه حال المجتمع في أوروبا إبان عصر النهضة، فلعلنا نستفيد من تجارب نهضة المسرح بين مجتمع ينظر إلى المسرح نظرة تدن نظرا لسطوة التقاليد، فطوعوا المسرح نظرا لظروف الحالة الوجدانية لكي يتساير معها ولا يتصادم، فصدام فكرة المسرح مع فهم المجتمع وفكره يخلق نوعا من التراجع، وهذا هو حال المسرح السعودي، فالكل يتساءل عن كثرة العروض وتدني فكرة المسرح في الحراك الثقافي والاجتماعي، وهذا هو حال المسرح في أوروبا إبان عصر النهضة، إلا أن نقاد عصر النهضة قننوا له حتى خرج من كبوته ومفهوم العصور الوسطى.

كتب "هوراس" كتابه "فن الشعر" يبدي فيه رؤاه النقدية، فهو كاتب عقب أرسطو، ولم يبد في كتابه آراء كثيرة سوى الاهتمام بالأعمال العقلانية الرصينة التي تتمشى وفنون عصر النهضة في القرن الثامن عشر.

"إنه كتب بأسلوب سطحي خفيف، بعيدا عن دقة أسلوب أرسطو، وفى كثير من أحكامه يعتمد على نتائج أرسطو، أي هذا الكتاب مليء بالنصائح والملاحظات العلمية بدرجة جعلت هوراس بحق أول من أرسى المفهوم الضيق للفن"

وهوراس عندما قدم كتابه لم يكن على أساس ما هو كائن، أو بمعنى آخر لم يعتمد على أعمال أدبية سابقة، بل كان يرسي قواعد على ما يجب أن يكون إلى اللائق والمناسب، وما يمكن أن يكون وما يمكن أن يتقبله أو يرفضه الذوق السليم؛ ولهذا يرجع رشاد رشدي رواج فن الشعر لهوراس في عصر النهضة وحتى منتصف القرن الثامن عشر، وهى عصور اهتمت بالقواعد واللائق والواجب والأخلاق والدين، فلا نغفل تلك المحاكمة التي أقامتها الأكاديمية الفرنسية للكاتب الفرنسي "بيير كورنيه" حينما جعل شابا صغيرا يصفع شيخا كبيرا على المسرح في مسرحية السيد، واعتبروه خارجا عن قواعد اللياقة؛ فاللياقة في المدرسة الكلاسيكية من أهم قواعدها، إضافة إلى احترام الواجب.

فتطور عصر النهضة بتطور نقاده وكتابه، إذ كانت الدراما تكتب طبقا لمواصفات هوراس، وقواعد أرسطو قبل ذلك، ثم بدأت في التنامي نحو التجديد في عصر النهضة، وتأخذ شكلا آخر، فلم يكن القصد أو المصدر هو إحياء الفن والأدب الكلاسيكي، بل كانت تحركهم روح محمومة بالإحساس بالنقص والتطلع نحو الكمال، كما أن روح العصر نفسه هي المحرك الوحيد لهم ولفنونهم، لا سيما أنه ظهر في هذا العصر كثير من المفكرين ومن الفلاسفة، وحراك اجتماعي وثقافي أخذت منهم مأخذ التجديد فكما أشار "الأريديس نيكول" عن شكسبير مثلا: "هو يمثل قيمة التطور الدرامي في عصر النهضة" لوجدناه يدين بكيانه إلى قوى ثلاث هي:

1 ـ المسرح الإغريقي الكلاسيكي.

2 ـ التقاليد الفنية لدراما العصور الوسطى.

3 ـ روح العصر التي امتزجت بكل ما سبق لتعزز إنتاج جديد هو مسرح شكسبير.

لا شك أن عصر النهضة قد شهد تطورا في المفهوم الدرامي يختلف عما سبق، ويختلف عما كان النقاد يتناقشون فيه ذلك الوقت، تمثل هذا المفهوم في المسرح الإليزابيثي والمسرح الإسباني المعاصر له على يد "لوب دي فيجا" ذلك الكاتب غزير الإنتاج والذي قيل إنه يكتب في كل ليلة مسرحية، ومثله الكاتب والناقد كالديرون، هذا وإن كان معظم كتاب هذا العصر يسيرون على سابق عصرهم، غير مدركين لما تموج به الأرض من تحت أقدامهم في آراء وأفكار فلسفية واجتماعية جديدة، فيقول رشاد رشدي: "قد يكون معظم كتاب هذا العصر غير مدركين للمفهوم الدرامي الجديد الذي نبع من بين أحيائهم، ولكن عدم الوعي بالسنين لا ينفي وجوده" وإذا كان نقاد عصر النهضة قد فشلوا في فهم تكنيك شكسبير ودي فيجا وغيرهم، فمعنى هذا أن المفهوم لم يوجد.

ولمكيافيللي وفلسفته وآراؤه الأثر الواضح في دراما عصر النهضة؛ مستمدا مكانته في تاريخ الدراما يقول رشاد رشدي: "إنه لا يستمد مكانته من مسرحياته فقط، بل لقد استطاع أكثر من أي شخص آخر أن يبلور أخلاقيات ومشاعر عصره، وأن ينشرها على نطاق واسع؛ مما كان له أثره الواضح في دراما عصر النهضة"

فظهرت لنا مسرحيات قد يتفوق فيها الشر على الخير، أو قد تغلب الغاية على الوسيلة كما في بعض مسرحيات شكسبير، خصوصا فيما نراه في مسرحية "الملك لير" وكيف هلك الأب الذي ينشد العدل بين بناته الثلاث؛ لأسباب ترقى إلى غايات تخدمها وسائل غير أخلاقية، كما أثر مكيافيللي أيضا في العصور التي تلت، مفلسفا ضلوع الفرد الذي لا مبادئ له في الغش والخديعة، إذ كان مكيافيللي يفلسفها ويصورها، وقد احتلت بعد ذلك مكانة كبيرة في المحتوى الأدبي والدرامي.

وإذا أمعنا النظر في تاريخ المسرح السعودي، نجد أنه كان يحقق استحسانا وإقبالا في الستينات؛ لأنه كان يتواءم مع أفكار المجتمع، ولنا في سيرة عبدالعزيز الهزاع خير مثال، وكيف كان كل المجتمع يحبه ويتابع تمثيلياته وعروضه. ومن منا لا يذكر برنامج "أم حديجان"؟!

فإذا أردنا مسرحا يحظى بإقبال واستحسان، فعلينا أن نعيد النظر فيما يقدم على المسرح، بأن نقدم مسرحا كلاسيكيا أخلاقيا عقائديا واضحا، دون تجريب أو تغريب؛ كما فعل نقاد عصر النهضة.