بعد انتصار الثورة الإيرانية ووصول الملالي إلى السلطة هناك، دعا الخميني إلى تأسيس جيش مكون من عشرين مليون رجل، ولأنه من المستحيل تحقق ذلك لأسباب اقتصادية وسياسية، فقد جاءت فكرة توفير برنامج التدريب العسكري لجميع المواطنين، ومن هنا انبثقت فكرة إنشاء قوة البسيج (التعبئة) التابعة للحرس الثوري في عام 1980. تُشكل هذه القوة من سكان المدن والأقاليم الإيرانية المختلفة وفقا لاعتبارات عديدة من بينها المساحة وعدد السكان، كما أن هذه القوى تتم تجزئتها إلى نطاقات مقاومة، ومن ثم يتم تقسيمها مجددا إلى جماعات فرعية ومناطق مقاومة وقواعد مقاومة، وفي القرى والأرياف ذات الكثافة السكانية المنخفضة يتم تشكيل ما يعرف بخلايا المقاومة. تستفيد قوة البسيج من الجنسين، حيث يطلق على تنظيم الذكور "كتائب عاشوراء" بينما تسمى تشكيلات الإناث "كتائب الزهراء". معظم، إن لم يكن الجميع، المنتسبين لقوة البسيج طلاب أو عمال أو موظفون يعملون في جهات مختلفة ويتقاضون رواتب شهرية كسائر الموظفين، كما يتم صرف مكافآت مالية لهم عند تنفيذ المهام المنوطة بهم وتكون في كثير من الأحيان مبالغ عالية جدا.
بعد تشكيل هذه الجماعات، يقوم النظام بإذابة أعضائها في المجتمع لخلق التوازن بين قوة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني؛ لذا تنتشر قوة البسيج في المؤسسات الحكومية والأهلية كافة ومن بينها المدارس والجامعات والمصانع والمساجد والهيئات الحكومية والوزارات الخدمية ونحو ذلك.
نشطت هذه القوة خلال الحرب العراقية الإيرانية، وبعدها خلال أحداث متعددة في الداخل الإيراني إلا أن نشاطها الأبرز كان قد ظهر خلال الأحداث التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009 التي "فاز" فيها محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية على حساب التيار الإصلاحي (الحركة الخضراء) ممثلا في مير حسين موسوي ومهدي كروبي، حيث لجأ الشباب الإيراني إلى الشارع تعبيرا عن اعتراضه على نتائج الانتخابات، ومؤكدا على أحقية الإصلاحيين في الفوز الأمر الذي قاد إلى اضطرابات ومصادمات أمنية بين المتظاهرين ورجال الأمن في عدد من المدن الكبرى الإيرانية، وبخاصة العاصمة طهران. في ظل هذا الظهور برزت قوة البسيج كواحدة من أهم الركائز الداعمة للنظام الإيراني، حيث ضربت بيد من حديد للقضاء سريعا على الاحتجاجات التي راح ضحيتها العشرات واعتقال المئات من الشباب الإيراني.
خلق هذا الحدث نوعا من الرهبة في المجتمع الإيراني من قوة البسيج التي بتأسيسها ونشاطها حولت إيران إلى دولة بوليسية من الدرجة الأولى. فقد أعلن مؤخرا قائد قوات البسيج (محمد رضا نقدي) أن عدد أعضاء هذا التنظيم قد تجاوز 24 مليون عضو، وبعبارة أخرى أن واحدا من بين كل ثلاثة إيرانيين منتسب إلى هذه القوة، وبالتالي أصبح كل شخص يشك في أقرب الناس إليه أنه عضو بسيجي متخف. من غير المستبعد أيضا أن هذه التصريحات تهدف إلى تضخيم قوة البسيج لبث نوع من الخوف والرهبة في المجتمع الإيراني متى ما أراد تكرار تجربة 2009 في ظل الصراعات الحزبية القائمة حاليا في إيران بعد الاتفاق النووي ومؤشرات الانفتاح على الغرب، وتقدم التيار الإصلاحي على حساب نظيره الأصولي، وبخاصة ونحن على مقربة من الانتخابات البرلمانية التي قد تقود إلى فوز ساحق للإصلاحيين، وتشكيل الأغلبية في مجلس الشورى الإيراني الذي ظل الحصن الحصين للتيار المتشدد، وعائقا لمشاريع التيار الإصلاحي.
هذه القوة قد تكون نموذجا متكررا في دول أخرى، وإن أخذت أسماء مختلفة لم تحل دون سقوط تلك الأنظمة التي كانت تستعرض قوتها العسكرية والأمنية ليل نهار. الأمر ذاته ربما ينطبق على قوة البسيج الإيرانية، فعلى الرغم من اعتماد نظام ولي الفقيه عليها، إلى جانب قوات الحرس الثوري، إلا أن هذا التنظيم قد ينهار بين عشية وضحاها متى ما أدرك المنتسبون إليه أن الأمور تسير في اتجاه سقوط النظام، وعليه سيفضل أولئك الصمت والابتعاد خشية الملاحقات المستقبلية وخسارة وظائفهم الأساسية، وربما تصفيات جسدية لقيادات هذا التنظيم على غرار ما حدث لقيادات قوة (السافاك الشاهنشاهية) بعد سقوط محمد رضا شاه بهلوي.
في نهاية المطاف، ستكون الحسابات مختلفة وستلعب ضغوطات الجوانب الاجتماعية والأسرية دورا بارزا في تخلص أولئك الأشباح بشكل سريع من كل ما قد يؤدي إلى ملاحقتهم سياسيا أو اجتماعيا، ومن ثم يجد النظام الإيراني نفسه أمام أزمة تسارع بسقوطه على غرار كثير من الديكتاتوريات التي شهدها العالم واعتمدت على السياسة البوليسية، ولكنها سرعان ما خذلتها لتواجه مصيرها المحتوم.