بداية هذا الأسبوع كان زميلنا الأستاذ الكاتب صالح الشيحي قد كتب مقالاً يتساءل فيه عما يجري في حائل وهو يخص بهذا السؤال جامعة حائل وهي الجامعة الناشئة التي رأى مبانيها تتسارع في المنطقة، وهذا شيء محمود لدى المسؤولين القائمين على الإشراف في بناء تلك المباني، لكن الذي ربما تجاهله الشيحي هو الواقع التعليمي الذي لن نجده مطلقا كما هو الحال لدى التسارع في البناء الإسمنتي وكما نحن دائما يبهرنا العمران الإسمنتي وننسى بناء الإنسان الحقيقي تعليمياً وتثقيفياً وإدارياً وإنسانياً وهذا ما لن نجده لا في حائل ولا في أي جامعة أخرى.
الزيارة الصغيرة التي زارها الشيحي للجامعة أعطته انطباعاً إيجابيا لأن الإعلام يهم المسؤولين في الجامعة كثيراً، ويهمهم أن يضعوا صورة جميلة أمام الأستاذ الشيحي خصوصا أنه كاتب يحمل قلما جريئاً في النقد.
وإذا كان الشيحي قد نَسِيَ فإنني أذكره بمقال كتبته هنا في الوطن قبل شهرين بالتمام يحكي هموم الناس من هذه الجامعة: بعنوان (جامعة حائل تتجاهل أبناءها)، وهو يحكي أن المسؤولين في الجامعة يتجاهلون أبناء المنطقة من حملة الماجستير وخصوصاً أولئك الذين جاؤوا بها من جامعات أمريكا أو الجامعات العربية المجاورة وآخرهم مجموعة من أبناء المنطقة حاولوا مقابلة مديرالجامعة لهذا الغرض فتجاهلهم قبل أسبوعين.
جاء الرد على مقالي ذلك من قبل الجامعة بشكل (غير مباشر)، وفي صحف متفرقة ليس من ضمنها صحيفة الوطن التي أثارت الموضوع من خلال المقال الذي كتبته؛ إذ صرح معالي مدير جامعة حائل الدكتور أحمد السيف في صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم الثلاثاء 29شعبان 1431هـ وصحيفة الجزيرة الأربعاء 1 رمضان 1431هـ : "أن الجامعة ترحب بالكفاءات السعودية المؤهلة للعمل في الحقل الأكاديمي، وبخاصة ممن تم ابتعاثهم في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي... ونفى السيف أن تكون جامعة حائل قد رفضت قبول المتقدمين لها من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، مبينا أنهم أوفدوا فرقاً من الجامعة للبحث عن الكفاءات المؤهلة من الخريجين السعوديين في الجامعات الأسترالية والأمريكية والبريطانية وغيرها من الجامعات في دول أوروبا... وأفاد الدكتور السيف أن الجامعات الناشئة في السعودية بحاجة حاليا إلى المتميزين حتى تكون الجامعة إضافة إلى المنطقة التي تعمل فيها، وأن جامعة حائل ترغب في قبول المتميزين في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، والذين بدأت أعدادهم تتزايد هذا العام لأن هناك خططا وجوا أكاديميا علميا ومدروسا".
وكلام الدكتور السيف في هذا الرد جميل جداً وبرّاق من "الناحية النظرية" حيث إنه يسير في ذات الاتجاه الذي كتبناه في المقال، والشاب الذي ذكرناه في المقال ينطبق عليه كل ما صرح به السيف، فلماذا لم يتم قبوله وهو الذي اختصر عليهم عناء البحث بدلا من البحث في الجامعات الأوروبية والأمريكية خصوصا؟!. إنه تساؤل يضع تصريح الدكتور السيف على محك التطبيق العملي في تبنيه لأبناء الوطن والتحاقهم في الجامعة التي يديرها.
من جهة أخرى خرج أحد حاملي شهادة الدكتوراة، وهو الدكتور فهد العوني في بيان له في صحيفة إلكترونية معروفة جدا وهي (إخبارية حائل) بعد تصريح الدكتور السيف بثلاثة أيام ذكر فيه تجاهل الجامعة لطلبات التحاق خمسة من حاملي شهادة الدكتوراة بمن فيهم العوني نفسه، وقد تم رفض قبولهم رغم حصولهم على هذه الشهادات من جامعات سعودية معتبرة إلا واحداً منهم فقد جاء بها من خارج السعودية لكن من جامعة معترف بها من قبل التعليم العالي. كما ظهر بيان في صحيفة (سبق الإلكترونية) في منتصف شهر رمضان الفائت حول أحد المبتعثين الذين وعدهم المسؤولون في الجامعة بقبولهم عند انتهاء دراستهم من أمريكا وهو سامي الغامدي، وحينما عاد لم يجد ذلك الترحيب الذي كان... هنا نطرح تساؤلاً عن قيمة جامعاتنا السعودية إذا كانت تمنح شهادات عليا، أو قيمة شهادات المبتعثين حينما لا تعترف بها الجامعات الأخرى أو القطاعات الحكومية.. فما فائدة هذه الشهادات إذن؟! إن أعداد المحاضرين المتعاقدين في جامعة حائل يفوق أعداد المحاضرين السعوديين مما يشكل نسبة ثلاثين بالمئة من السعوديين في مقابل سبعين بالمئة من الإخوة المتعاقدين في بعض الأقسام القديمة، وتشكل نسبة السعوديين في الأقسام الجديدة كالحاسب والإنجليزي نسبة عشرين بالمئة في مقابل ثمانين بالمئة من المتعاقدين، في حين تبقى النسبة صفر في بعض الأقسام الأخرى كالاجتماع مثلا في مقابل مئة بالمئة من المتعاقدين. وإذا سلمنا جدلاً أن كل هؤلاء تم التعاقد معهم لتميزهم في جامعاتهم التي جاؤوا منها، فلماذا لم نعرف أو نسمع إلا القليل النادر منهم، أو نشاهد نتاجهم البحثي أو أن نجد لهم أثراً ملموساً كما في أمثالهم في الجامعات السعودية الأخرى؟ هذا غير أن بعضهم رفض المواصلة ورفض التجديد لعدم مناسبة الجو الأكاديمي لهم كما يقول بعضهم بعد أن غادروا مستائين .
إن جامعة حائل ـ كما يقول الدكتور السيف ـ تعتبر ناشئة وهي في طور تجهيز بنيتها التحتية الأكاديمية، وبحاجة إلى استقطاب الكفاءات المؤهلة القادرة على الإبداع في المجال العلمي والبحثي، وبما يقدم الصورة المشرفة لجامعة حائل، مما يعني حاجة الجامعة إلى الكوادر الوطنية التي تساعد في نهضة هذه الجامعة، وخاصة من أبناء المنطقة كونهم الأقرب والأكثر من ناحية تعاملهم اليومي واحتكاكهم المباشر معها، مما يجعلنا نطمح إلى الحلول العلمية أكثر من الحلول النظرية الجميلة والبراقة.
إن ما رأيته يا أستاذنا الشيحي لا يعكس الواقع الصحيح الذي يدور في الجامعة إنما هو واقع إسمنتي دائما ما يحاول المسؤولون هناك التركيز عليه لأنه الواجهة الباهرة التي تخفي العيوب الداخلية، وما الفائدة هنا إذا كان الواقع التعليمي والإداري في الجامعة ليس هو الواقع الحقيقي الذي شاهدته؟