إن كان الخبر صحيحا، من أن وزارة الصحة قد أوكلت لهيئة الغذاء والدواء مهمة الاتصال بفضيلة الشيخ الموقر، عبدالمجيد الزنداني، لمعرفة ماذا لديه حول "كورونا" فهذا لا يعني سوى رسالتين مرتبكتين إلى المجتمع: الأولى أن الوزارة فقدت رباطة الجأش للسيطرة على الكارثة، والثانية أنها تدعونا إلى تجارب دكاكين العطارين ومستحضرات حبوب "السنوت" و"الحلتيتة" والحلبة. وأرجو أن يمتنع هنا هواة التأويل والتفسير، فأنا هنا لا أناقش الشيخ الزنداني بوصفه العالم الشرعي الجليل ذائع الصيت، بل بوصفه القادم إلينا ببراءات اختراع طبية صيدلانية من خيالاته التي تستحق النقاش والجدل. أنا هنا لا أناقش معه فتوى أو مسألة شرعية على الإطلاق، بل قصة حياتية خالصة في باب الطب والصيدلة.

أولاً: فمثل هذه الخيالات الخبرية تبرهن أننا ما زلنا مجتمعا طفوليا لا يعرف تعقيدات المختبر البحثي الهائلة حتى تصل حبة دواء إلى الفم. أي حبة دواء تشتريها بريالين مرت من قبل بآلاف الأبحاث وتجارب المختبرات التي يشترك فيها علماء الأمراض والصيدلة والفيروسات من كل فج عميق على هذه الأرض. تقول الأرقام، مثلا إنه تم صرف 55 مليار دولار على أبحاث "الإيدز"، ونشر حوله ما يقرب من مئتي ألف بحث، وشارك فيها علماء اختصاص من كل قارات الأرض وجامعاتها بمن فيهم علماء طب مسلمون، وكل ما فعله كل هذا الجهد ليس بأكثر من استطاعة "تحييد" الفيروس لا قتله. هنا يبرز السؤال: هل وصل بنا عقلنا الطفولي إلى أن يخترق "الزنداني" كل هذه المليارات والأبحاث ثم يختصرها في وصفة عشبية بخمسين ريالا للمريض الواحد.

ثانيا: نحن لم نعرف في "عبدالمجيد الزنداني" دراسة أمراض ولا طب ولا فيروسات ولا صيدلة أكثر من هذا، ماذا يستطيع وما هي القواعد العلمية ومراكز الأبحاث التي استطاع بفضلها، ومن بلد أكلته الحروب والفقر والفتن، أن يمسح بعشبة عطارين كل الإمكانيات التي لم يتوصل إليها معهد "إيموري" الأميركي ومركز "داتو" الياباني حيث يتنافس "الاثنان" لا على حملة "نوبل" في علوم الأمراض والصيدلانيات والفيروسات، بل حتى على استقطاب الطلبة المتميزين من الخريجين في أعلى الشهادات تحت الإشراف الدراسي لحملة جائزة نوبل، سأختم حين أقول بكل وضوح وصراحة إن مثل هذه القصص الشعبية لا تتحول إلى أخبار إلا في المجتمعات الطفولية التي لا تعرف تعقيدات البحث المختبري وشبكاته الهائلة. في المجتمعات البدائية التي لا تعرف حتى مجرد الفرق ما بين الفيروس وبين البكتيريا. لكن الكارثة أن تتحول القصة الشعبية في هذا المجتمع إلى توجه يسند إلى هيئة علمية مثل هيئة الغذاء والدواء مسؤولية الاتصال والبحث والاستقصاء من حكاية شعبية عجزت عنها مليارات وعلماء وأبحاث وجامعات كل هذا العالم ثم تختصر في: نبتة عطرية.