من المسؤول عن وضعك المالي وظروفك المعيشية؟ الأب؟ الحكومة؟ أنت؟ المجتمع؟ الحرب؟ رئيس الدولة؟ رجال الأعمال والطبقة المخملية؟ أم مشيئة الله والقدر؟

طرح الكاتب الأميركي ويليام فولمان "William T. Vollmann"، سؤال: لماذا أنتم فقراء؟ على مجموعة من الفقراء في كل ركن من أركان العالم، كان هذا السؤال جزءا من بحث اجتماعي وموضوع أخلاقي لقياس الفقر وتمثيله؛ من أجل الوصول إلى رؤى مثيرة للقلق في الجانب المظلم من الفقر في كتابه "Poor People"، كانت البداية لسلسلة من اللقاءات والسرديات مع الفقراء في أنحاء كثيرة من العالم الغني بالثروات والموارد المتعددة، في كلّ من: تايلند، اليمن، روسيا، الصين، اليابان...إلخ. يعرّف المؤلف أولا الفقر بـ "عدم القدرة على تلبية مجموعة من الاحتياجات التي تم إنشاؤها اجتماعيا"، ثم يبدأ بذكر أبعاد الفقر التي وضعتها الأمم المتحدة: حياة قصيرة، أمية، تهميش، ونقص في الموارد المادية. إلى هذه القائمة، يضيف الكاتب: الابتعاد عن الأنظار، تشوه الجسد، نبذ المجتمع، التبعية، الشعور بالألم والاغتراب، واللامبالاة. وأضيف: تنامي الديون، فقدان الكرامة، والصراع اليومي من أجل البقاء.

في الاقتصاد، هناك: فقر مطلق وفقر نسبي. الفقر المطلق "المدقع" هو: وضع الناس الذين ليس لديهم الحد الأدنى من السلع والخدمات اللازمة للحياة الطبيعية، وفقا للأمم المتحدة، يقال إن الفرد يعيش في فقر مدقع عندما لا يستطيع الحصول على "سلة" السلع الضرورية لبقائه على قيد الحياة. في فرنسا عام 2002 كان تقدير قيمة هذه السلة حوالي 10 يوروهات في اليوم الواحد. وتستخدم الولايات المتحدة، وكندا هذا المقياس برغم ملاءمته أكثر للبلدان النامية، في حين يقارن الفقر النسبي بمتوسط مستوى المعيشة في البلد الذي تتواجد فيه. في هذا الكتاب، تظهر رؤية وليام للفقر ابتداء من: الشعور بالذنب، هذا الذي يشكل الموضوع الرئيس لجولته حول العالم؛ لمعرفة الطرق المختلفة للمعيشة وتمثيل الفقر. لكن هل يستطيع كاتب ما، لم يشهد البؤس أو يجرب الفقر في حياته الحديث عنه والشعور بالألم تجاه معاناة فقراء لا يعرفهم؟ من أين يأتي شعوره بالذنب تجاه الفقراء؟ يقول الملياردير الأميركي (بيل جروس) الرئيس التنفيذي لشركة "بيمكو" لإدارة الاستثمارات في كاليفورنيا: "أن تصبح ثرياً على حساب العمال، يولد شعوراً بالذنب، لقد بدأت أشعر بالأسف والأسى تجاه الفقراء". وأضاف: "لنعترف، أنا وأنت وبقية الأثرياء بأننا نشأنا في العصر الذهبي للإقراض، بحيث إن أولئك الذين يقترضون الأموال أو يدفعون الغرامات على توسيع الأصول المالية، كانت لديهم فرصة أفضل بكثير لتحويلها إلى ثروة كبيرة من أولئك الذين استخدموا أيديهم لتوفير لقمة العيش".

كان هناك اختلافات في الردود على سؤال: لماذا أنت فقير؟ وفقا للمكان الذي يعيش فيه الفقراء. بدأ المؤلف سلسلة من الاجتماعات للاستماع إلى قصص الفقراء، وفي كل لقاء، كان يضطر إلى دفع مبلغ من المال للعائلة والاستعانة بمترجم. يظهر جزء لا يتجزأ من التفسير العقلي أو الثقافي لأولئك الذين يعانون منه. هذا الجزء يمكن قراءته من خلال الأسباب التي أعطيت لتبرير الفقر، التي من أهمها: القضاء والقدر. إن الفقير شخص غير مرئي؛ لأنه لا يوجد أحد يريد أن يعطيه شيئا للأكل أو مكانا للنوم، ولا أحد يريد أن يشعر بالذنب عندما يقابله وجها لوجه. تماما مثلما لا أستطيع رؤية وجه امرأة تلبس النقاب. في أفغانستان طالبان، على سبيل المثال، يعد تسول النساء غير شرعي باسم احترامها، لكن لا بأس بضربها أو قتلها ظلما أو منعها من التعليم!

باعتقادي أن إحدى وسائل محاربة الفقر ارتفاع نسبة التعليم، غير أن أولاد الفقراء المعدمين لن يتركهم أولياء أمورهم في الغالب يتفرغون للعلم والثقافة، بل سيشغلونهم بالأعمال اليدوية، الزراعية، الرعوية، وبالتالي يصبحون أميين، وهنا يأتي دور الدولة في حماية المجتمع من الأمية وفرض التعليم قسرا. أما أثر الفقر على العقل والإبداع فيأتي من خلال ما قاله الخبراء: يضر سوء التغذية بنمو وتطور الإنسان، وذلك بالتأثير على شكل حجم الجسم. من الآثار السياسية للفقر: الاستبداد والتبعية السياسية في الداخل من خلال أن القوة تكون حصرا على أصحاب الأموال والنفوذ، والتبعية السياسية للخارج، أي للدول المانحة للقروض والمساعدات. والواقع الفعلي يقول إن: الشعوب الفقيرة تصنع ديكتاتورها الذي يعتمد على الشعارات البراقة ودعم الطبقات الجاهلة، وإبعاد المعارضة عن مراكز القرار. كما تدل التجارب على أن الفقر أحد أسباب الفوضى والاضطراب، وأن معظم المشاكل السياسية تعود إلى حرمان الشعب من مستوى حياة آمن.

يرتبط الفقر الحضري بمظاهر محددة، منها الأحياء الفقيرة والمساكن العشوائية، مشَكِّلة مناطق هامشية غير قانونية ومعرضة لأخطار بيئية بفعل افتقارها إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغيرهما. أجريت دراسة اجتماعية عن نمط الإسكان العشوائي بإحدى حارات مصر الفقيرة، كان من نتائجها: 60% من الأطفال في سن الدراسة محرومون تماما من أي نوع من أنواع التعليم، وفي العديد من الحالات يبلغ معدل التكدس7 أفراد في الغرفة الواحدة، وكما هو معروف، فإن تكدس الأسرة الواحدة بأجيالها المختلفة داخل حيز واحد ضيق يؤدي إلى توتر نفسي واجتماعي، كما يؤدي إلى فقدان الإحساس بالخصوصية وبالذاتية، إذ إن الحدود الفاصلة بين الفرد والدوائر الاجتماعية المحيطة به تكون شبه معدومة، كما تساعد على خلق شخصية غير سوية.

هناك أربعة شروط أساسية لنجاح أي سياسة اقتصادية واجتماعية أولا: الإرادة السياسية للإصلاح والوعي بخطورة عدم القيام به سواء من الناحية الأخلاقية أو من الناحية الاجتماعية والإنسانية.

ثانيا: قوة التنفيذ، فالنيات لا تكفي والأقوال بدون أفعال مجرد أكاذيب، وهنا يكون دور الدولة أساسيا، إضافة إلى دور النخبة سواء كانوا مثقفين أو رجال أعمال أو اقتصاديين وأكاديميين.

ثالثا: وجود مؤسسات متخصصة أو مؤهلة لمقاومة الفقر في المجتمع، على سبيل المثال: الجمعيات الخيرية ومؤسسة الزكاة.

رابعا: سرعة التنفيذ، حيث يجب تحديد فترة زمنية منطقية لتحقيق الأهداف حتى لا تكون النتائج متواضعة.