أمس الأحد صادف منتصف الشهر الهجري.. ومع أنني من الذين تستفزهم استدارة القمر وتسبب لهم الأرق، إلا أنه كان يوما تاريخيا بالنسبة لي.. لأول مرة أقف أمام جهاز الصراف الآلي مع المتقاعدين لاستلام راتبي التقاعدي!

شعور غريب.. وكما قال التونسي أحمد الفرشيشي "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية".. وجوه جديدة.. أصوات جديدة.. هيئات جديدة.. لغة جديدة.. رقم جديد..!

 إنه عالمي الجديد الذي انضممت إليه طوعا، بكامل قواي العقلية.. لقد أصبحت واحدا ضمن (494.254) متقاعدا سعوديا يغْشَون المجالس، ويجوبون الطرقات، ويتبطحون في الصالات.. "لا شغلة ولا عملة"!

بالمناسبة هناك متقاعدون متوفون منذ سنوات طويلة وما تزال مستحقاتهم المالية تصرف لذويهم، يتجاوز عددهم حسب الإحصاءات المعلنة 168 ألف متقاعد!

 لماذا تقاعدت؟!

كان هذا هو السؤال الذي لاحقني طيلة الفترة الماضية.. أشعرني السؤال بأنني ارتكبت جريمة قانونية، لا ينفع معها "الإسراف في التأديب"!

وكنت أرد على السؤال بسؤال: ولماذا لا أتقاعد؟! التقاعد المبكر في "أسوأ حالاته" هو خطوة للبحث عن فرصة أفضل في القطاع الخاص.. وفي "أفضل حالاته" هو خطوة للبحث عن الحرية والمتعة.. بحثا عن الحياة.. وأشياء كثيرة لا مجال لذكرها..!

مؤكد - إبراء للذمة - أن خطوة كهذه بحاجة لـ"آلة حاسبة" قبل الإقدام عليها.. دون ذلك ستصبح مغامرة غير مأمونة العواقب!

وعلى أي حال، ما زلت لا أعلم شيئا عن حياة المتقاعدين في بلادنا.. هل ستكون حياة مليئة بالسعادة والحبور، أم ستكون ملأى بالمتاعب والمصاعب والفواتير والقروض البنكية؟ هل ستميل نحو الهدوء والاستقرار والارتخاء أم ستبقى حياة لذيذة صاخبة على "حبة ونص".