أكد رئيس المركز العربي للدراسات العربية الروسية، ماجد التركي، أن الدور الروسي في المنطقة العربية زاد في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك بعد عدة سنوات، تراجع خلالها هذا الدور في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، مشيرا إلى أن العالم العربي بات يمثل أحد المحاور الرئيسية في السياسة الخارجية الروسية حاليا.

وقال التركي في حوار مع "الوطن" إن التوقف عند التدخل العسكري الروسي في سورية مع وضع فرضية تكرار السيناريو السوفيتي بأفغانستان في السبعينات، يدخل في نطاق الرؤية غير الواقعية، نظرا لاختلاف الظروف والمعطيات، مشيرا إلى الدور الإيراني في بعض الدول العربية، الذي يدخل في نطاق عمل استخباراتي يدير المشهد الفوضوي في المنطقة.

وأضاف "مصلحتنا الوطنية تستدعي أن نتواصل مع الروس لنصحح مواقفهم ونبني معهم مواقف مشتركة"، وإلى تفاصيل الحوار:


البناء الداخلي

كيف تقرأ السياسة الروسية تجاه المنطقة بشكل عام وفي سورية بشكل خاص؟

لقراءة هذه السياسة لابد أن نرجع إلى بداية استقلال روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ بدأت في تبعات تركة ذلك الانهيار سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حيث كان هناك انحلال كامل من نظام شمولي يستغرق كل مناحي الحياة إلى نظام جديد، مدني اقتصادي يسمونه اقتصاد السوق ودخل في مرحلة حياة جديدة، وعاشت روسيا فترة تخبط حوالى ثلاث سنوات حتى استكملت بناء نفسها فغابت المنطقة العربية قَسراً عن السياسة الخارجية الروسية. وهذه الفترة من عام 1991 وحتى عام 2000 كان العالم العربي خارج نطاق الاهتمام الروسي، ومن المهم التعرف على تلك الفترة لندرك كيف انتقلت روسيا من مرحلة البناء إلى الاهتمام بالعالم العربي، وبعد تولي بوتين السلطة تغيرت السياسات، وسعت روسيا باتجاه العالم العربي.

هل تأثر هذا التوجه بعد موقف روسيا بالصراع السوري؟

فيما يخص الملف السوري، تسببت روسيا في بداية الانفصال والمفارقة والموقف المتشدد ما بيننا وبينها، بعد اتخاذ روسيا حق النقض الفيتو إلى جانب الصين في إحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، هذا طبعا أحدث ردة فعل عند المملكة وتجمدت علاقاتنا معها في كل المسارات، حتى في مسار الأعمال، لأن روسيا تعتبر سورية ليست عمقا استراتيجيا فقط، ولكن منطقة استراتيجية مهمة، ويجب ألا ننسى أن روسيا موجودة في سورية منذ عام 1970.


نقطة التحول

وماذا عن التدخل العسكري الروسي في سورية؟

يبدو لي في تحليلي الشخصي أن القشة التي قصمت ظهر البعير هي لقاء بوتين وأوباما في الأمم المتحدة، في اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة، حيث فاوضت الولايات المتحدة روسيا على أوكرانيا، وقالت نترك لكم أوكرانيا وتتركوا سورية، واعتبر بوتين أن تلك مساومة غير متكافئة وغير عادلة، وأصبحت مرحلة تصادمية، الخطر المتوقع حقيقة، والذي نخشاه أن ترتفع وتيرة التصادم مع الجانب الروسي في سورية، وألا نسعى إلى إيقاف هذه التصادمية أو إيجاد حلول دبلوماسية يتبعها تدخل صيني، حسب معطيات دولية تقول إنه منذ أسبوعين تقريبا أو ثلاثة حركت الصين بارجتين عسكريتين إلى ميناء طرطوس، بحكم الشراكة الاستراتيجية العسكرية والدفاع المشترك بينها وبين روسيا.

هل تكون سورية كما يتردد انطلاقة لمواجهة بين أميركا وروسيا أو حرب عالمية ثالثة؟

وجود روسيا بقواتها وأميركا من خلال التحالف الدولي لا يعني نشوب مواجهة، وأميركا بالذات غير جاهزة اقتصاديا للدخول في أي حرب، وبعض حلفائها في الناتو لديهم تردد حول الدخول في أي حرب مع الولايات المتحدة، لأن واشنطن خلال السنوات العشر الماضية غيرت الناتو تماما لمصالحها الفردية على حساب مصالح الاتحاد الأوروبي.

على الجانب الآخر فإن الحضور الروسي بهذا الشكل لم يجد قبولا، لأن روسيا حضرت بدعوة من نظام بشار وهو فاقد للشرعية، وسمح لروسيا بضرب قوى المعارضة ليبقى في الحكم.





سيناريو أفغانستان

بعض المحللين يرون أن سورية ستكرر سيناريو سقوط الاتحاد السوفيتي السابق ممثلا الآن في وريثته روسيا؟

استعادة التاريخ أحيانا تعطي قراءة خاطئة لأن الاتحاد السوفيتي السابق كان مجاورا لأفغانستان، القريبة من آسيا الوسطى وهي العمق الاستراتيجي الروسي. ولكن سورية منطقة بعيدة، كما أن روسيا تستخدم طائراتها الجوية، فضلا عن أن التوجه الدولي بما يتصل بسورية غير التوجه الدولي الذي يتعلق بأفغانستان، ونتمنى ألا تكون سورية أرضا محروقة لنزاع دولي.


حقيقة الخلافات

الخلاف الأميركي الروسي حول سورية هل تراه واقعا أم تبادل أدوار لتحقيق مصالحهما؟

لتقرأ المشهد جيدا لا تنشغل بتفصيلات الأحداث، الأميركان أكثر قدرة من الروس في التكتيكات ووضعها في إطار استراتيجي، واستراتيجيتهم منذ 10 سنوات منتهية مع الجانب الإيراني، ورئيس هيئة الأركان الأميركية صرح قبل أربعة أسابيع بأن السيناريو الجديد في العراق دولتان، هذا هو التوجه والمشروع الأميركي في هذه المرحلة، وهناك تفاهمات تفصيلية بين الولايات المتحدة وروسيا ولكن ليس هناك اتفاق، وهنا يوجد فرق فالتفاهم على ضرب داعش الذي ترى روسيا أن 2500 من عناصره قدموا من آسيا الوسطى ومن القوقاز وقد يعودون إليها.

كيف ترى مطالبة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي روسيا بتوجيه ضربات لداعش؟

الروس يقولون أهدافنا الاستراتيجية ضرب داعش، لأن مكون جزيئاته الرئيسية من آسيا الوسطى والقوقاز، ونريد أن نحاربه خارج أرضنا، وهذا ما تحدث عنه السياسيون الروس، فهم يؤكدون أنهم لن يكتفوا بضربه في سورية، بل سيشمل العراق.


إيران وداعش

وهل هذا التصرف يربك السياسة الأميركية في المنطقة؟

لا يربك السياسة الأميركية إذا كانت روسيا صادقة في محاربة "داعش"، وأنا لست على يقين بأن المشروع الأميركي من ضمن أدواته "داعش"، لأنه يدار بصورة كاملة من خلال الإيرانيين، ولذلك كثيرا ما يتساءل الناس كيف حصل داعش على أسلحته؟ وكيف امتلك أكثر من ألفي سيارة تويوتا؟ هناك عمل استخباراتي.

البعض يرى أن السيطرة على الغاز أحد أهداف السياسة الروسية في المنطقة؟

الغاز لا يعني روسيا كثيراً، لأنها إمبراطورية الغاز في العالم، وتتحكم في 80% من الغاز بأوروبا، وليست في حاجة إلى غاز سورية الذي لا نعرف تقديراته النهائية، والخطر الأكبر الذي تحدث عنه المحللون السياسيون الروس أنه بعد الاتفاق النووي فإن أول ضربة سوف تتلقاها روسيا من إيران هي تحول الغاز الأوروبي إلى إيران، فنحن نشاهد أكثر من 140 شركة أوروبية وأميركية دخلت إيران بعد توقيع الاتفاق النووي.