يميل الإنسان العربي إلى "تصنيم" الأشخاص وصولاً إلى درجة تقديسهم وتعصيمهم من الخطأ، وهذا السلوك نابع لكون الإنسان العربي بطبعه منحازا وعاطفيا، ولهذا تمكن أشخاص مارقون في غفلة من التاريخ من السيطرة على مقدرات وأفكار الشعوب التي حكموها.
إن هذه الطبيعة الانقيادية والمستجيبة للقهر هي التي مكنت من هم مثل عبدالناصر وصدام والقذافي وعلي عبدالله صالح وغيرهم من التحكم بمصائر شعوبهم ودولهم، وإدخالهم في متاهات الحروب والمناوشات، وتكديس الأسلحة وتكريس الزعامة الفردية، وإغفال التنمية والتطوير، ولهذا استمر هؤلاء وغيرهم من رؤساء الجمهوريات العربية حتى تخطفهم الموت أو القتل أو الثورة.
ورغم أن هذه الأنظمة العسكرية تطبق على أنفاس شعوبها بالقوة والقهر والحديد ومحاصرتهم بالعيون الاستخباراتية التي تقعد لهم كل مرصد إلا أنها –إلى جانب ذلك- تصطفي لنفسها بعض من لديهم ملكة الحديث والكتابة ليتولوا تكريس صورة هذا الزعيم وتلميع نظامه وتعزيز مهابته وتضخيم إنجازاته مهما صغرت.
ولو أمعنت النظر في سيرة بعض من أوردت أسماءهم من الزعماء العرب لأدركت دور الآلة الإعلامية الهادرة التي كانت تسبح صباح مساء بهذه "القيادة" التي نزلت على أهلها برداً وسلاماً.
لكن تلك الآلة والأبواق تتوقف وتنطفئ بمجرد رحيل الزعيم الماحق لتتولى أبواق أخرى تلميع اللاحق.
واحداً من هذه الأقلام بقي صامداً في غيه يتقلب من نظام إلى آخر، ويمارس فوقيته المقيتة ونرجسيته القبيحة.
جاءت الفرصة لمحمد حسنين هيكل خلال عهد جمال عبدالناصر، وصار يرسم خرائط الطريق عبر مقالته "بصراحه"، واستطاع أن يخدع في ذلك الحين قدرا غير يسير من الذين حسبوا أنه يتكلم بلسان عبدالناصر، وأن ما يقوله صادر من أروقة ودهاليز رئاسة الجمهورية.
لكن أكثر العارفين به والمدركين لكذبه وفبركته هو الرئيس التالي محمد أنور السادات الذي وضع "الهيكل" على الرف بعد أن أصبح رئيساً لمصر، وهذا ما أثار حفيظته على نحو جعله يهذي بأبشع الكلام، ويتحدث بأقذع الأوصاف عن السادات، وقد تجسد ذلك الغل لاحقاً في كتابه "خريف الغضب"، وأمام هذا التهميش من السادات صار أستاذ الكلام يؤجر قلمه خارج مصر، وقد وجد نفسه متوزعاً في ولاءاته، ومرتهناً لرغبة الزبون على نحو جعله يقلب الحقائق ويشطح وينطح ويلبس نفسه أدواراً وهمية رغم أنه ينسب معظم معلوماته إلى أموات.
كان هاجسه الأكبر وقلقه الذي لا يستكين موجهاً صوب المملكة التي استمر مخلصاً في كراهيته لها منذ توطن عنده هذا الشعور إبان الخلاف الذي تسبب فيه زعيمه عبدالناصر، لكن أمام صمود هذه البلاد وترفعها عن شتائم تلك الفترة بل وانصرافها إلى التنمية والتطوير فإن هيكل استمر في غلّه الذي جعله ينحاز إلى كل من هو ضد هذه البلاد، أسرف في تمجيد إيران وتقديرها في مقابل ازدرائه لدول الخليج وأهلها رغم أن عبدالناصر زعيمه الأزلي قد بنى شعبيته من خلال شعار القومية والوحدة العربية، وكان هو المسوق لهذه الشعارات عبر جريدة الأهرام.
مازال محمد حسنين هيكل يمارس الردح الذي بدأه قبل 60 عاماً في اجترار ممل وتكرار لا يتغير.
والآن في هذا الوقت العصيب الذي تمر به المنطقة العربية من تحولات ومؤامرات وفق حياكة فارسية وتطريز صفوي فإن المملكة تسعى في جهد لافت إلى جمع الشتات وتوحيد الجهود العربية سعياً إلى ردع التمدد الإيراني، لكن مسعانا العروبي الواضح في عاصفة الحزم وفي غيرها من الزيارات واللقاءات وتصفية الأجواء لا يروق لمحمد حسنين، ونحن لم نكن ننتظر منه ذلك وهو يؤجر ضميره في سوق النخاسة الإعلامي .. والسؤال البارز هو:
هل كان يمكن لنا أن نشتريه؟
لا.. فالواضح أن المتلقي لا يثق بسلعته!