في العالم الأول يعد الشباب محور ارتكاز لعملية التنمية برمتها، والتعليم هو مصنع هؤلاء الشباب، وصانع مخرجات التطوير في كل مجالات الحياة. هذان هدفان يوفران علينا الكثير من المصاعب المستقبلية، ولذا فالسؤال المحوري: ما نوع التعليم الذي يتلقاه هذا الكم الكبير من الدارسين في المدارس والجامعات ليجعل من هؤلاء الشباب محور الارتكاز في التنمية ويطور كل مجالاتنا الحياتية؟ ليس المهم أن يذهب أبناؤنا للمدارس والجامعات، لكن المهم هل ما يتلقونه من علوم ومعارف يتناسب مع عصرنا ويواجه التحدي الذي يشهده العالم ويجعلنا نقبل التحدي ونساير العصر ونحقق المكانة التي تليق ببلادنا؟ بعبارة أخرى هل نحن بتعليمنا نحقق اقتصاد المعرفة الذي يعتمد بشكل كامل على مكامن القوة الفكرية عند الشباب والذي يعد الهدف الرئيس من التعليم لدى العالم الأول؟

أسئلة مهمة نطرحها ونلح عليها رغبة في معرفة شواهد وأدلة وأمثلة، لا قصص جميلة على أن تعليمنا يسير في هذا الاتجاه. نسلط الضوء على هذه القضية لعلنا أولا نستوعبها ثم نتبناها ثم نسعى لأن يحققها تعليمنا. الأمة لا تتقدم إلا بشبابها ولا تنتصر إلا بسواعدهم ولا تعمل أفكارهم وسواعدهم إلا بالاقتراب منهم وعمل كل ما يضمن وجودهم على سفينة الوطن، وأنا هنا أكتب متفائلا لا ناقدا، لأن بلادنا تمتلك كل الإمكانات لتحقيق هذه الأهداف النوعية التي تتماشى مع هذا العصر الذي لا يعترف بالكسالى والمقصرين والخاملين. عصر المنافسة الشرسة الذي يتطلب فكرا نوعيا وجهدا نوعيا وإصرارا على الوصول للعالم الأول. ما نراه من إبداع بعض شبابنا يجعلنا نتفاءل أننا يمكن أن نصل إلى العالم الأول.

لا يمكن لاقتصاد المعرفة أن يتحقق إلا بتحويل الابتكارات إلى صناعات، ولهذا يقع العبء على مفكري هذه البلاد وحكمائها في تلبية الاحتياج للاستثمار الأساسي في الشباب وفي ابتكاراتهم وتحقيق إنجازات منافسة في هذا المجال. يجب أن نعي أننا نعيش في عصر جديد يتطلب زيادة خريجين ذوي تأهيل عال جدا في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. والتعليم المتميز الذي ننشده يحقق كل ذلك ويستثمر جهد الدارسين مباشرة في المدارس والجامعات. التعليم المتميز ينتج أفكارا متميزة، مخرجاتها ابتكارات يتم تحويلها إلى صناعات ومنتجات وبضائع تصدر إلى الخارج. هذا هو التعليم الذي نحن بحاجته اليوم.

يرى روبرت سولو الاقتصادي والأستاذ في MIT أن "مرد نجاح نصف اقتصاد أميركا في الستين سنة الماضية يعود إلى الابتكارات التكنولوجية التي خرجت من معامل البحوث والدراسات في الجامعات".. والأمثلة كثيرة ومعروفة، وما زالت هذه المؤسسات تلعب هذا الدور إلى الآن، وما زال يعَّول عليها الخروج من الأزمات وتحقيق التطوير المطلوب في جميع مناحي التنمية. الطلب اليوم يتزايد على التركيز على التعليم للقيام بهذه المهمة، فهو وحده القادر عليها والأسئلة التي نطرحها في نهاية هذا العرض هي: ما دور التعليم في خلق تنمية حقيقية؟ وهل لدينا شواهد على هذا الدور؟ ما دور الجامعات في الابتكارات؟ وهل يتم تحويل كل الابتكارات إلى منتجات وبضائع عن طريق تأسيس شركات تقوم بتحويل تلك الابتكارات إلى صناعات وتسهم في توطين الوظائف؟ هل نحن على قناعة تامة أن الجامعات المآل بعد الله للوصول لمستقبل اقتصادي متقدم؟

التعليم مفتاح الوصول للعالم الأول، لكنني أظن أنه لا بد من امتلاك شواهد وأدلة على أن تعليمنا يساير العصر ويخلق تنمية حقيقية ويمضي في طريق اقتصاد المعرفة. لا بد من تفجير مكامن القوة لدى الشباب، فالدول الصناعية لا تتميز إلا باستثمار قوة شبابها الفكرية وتوظيفها لأوطانها، ستبقى مكامن قوة شبابنا دون استثمار إذا لم نحقق لهم تعليما متميزا. لدينا عقبة لا بد أن نبدأ في مغالبتها الآن، هذه العقبة هي الوقت. فعصرنا متسارع بدرجة مخيفة، ولا خيار لدينا إلا أن نمتلك تعليما متميزا يكون هدفه النهائي تحقيق اقتصاد المعرفة. الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا.