كان الهدف الأساس من إنشاء العلاقات العامة في أجهزة الدولة والقطاع الخاص هو الاتصال بين المنشأة والجمهور المستفيد أو المتلقي في المنتج الذي تقدمه الجهة الحكومية أيا كانت، أو القطاع الخاص مهما تنوع إنتاجه ودفع به إلى المستهلك. ويعدّ همزة وصل بين الإدارة واستقبال الضيوف وترتيب المناسبات إلى جانب المراسم في كل قطاع، ثم برز أمامنا اليوم ما يعرف بالمتحدث الرسمي لكل جهاز من أجهزة الدولة، وقد أكدت على ذلك قرارات مجلس الوزراء بالإفصاح عن خدمات تلك الجهات أو البيان الإيضاحي لأي خبر يخص تلك المصلحة اليوم.

ولكن ومع انتشار مراسلي الصحافة الإلكترونية وسرعة البحث عن المعلومة، بدأت ألمس ازدواجية واضحة في رمي الكرة ما بين المتحّدث والعلاقات العامة التي تعنى بالشأن الصحفي اليومي أمام كل مسؤول، وما تقوم به تلك الإدارات في صياغة الرد الرسمي على ما يكتب وما يقال في وسائل الإعلام، لكن الذي لاحظته وغيري أن مصدر المعلومة لا يزال مجهولا إلا عند بعض المصالح الحكومية بعد تطويرها وأخذها بالتقنية، إذ لجأت إلى فتح حسابات في "تويتر" لبعض الوزراء الذين جعلوا الشفافية في المعلومة هدفهم في سرعة الوصول إلى المواطن، وفي خلال أقل من ساعة، وهذا ما لمسناه في كثير من الأخبار الرسمية وما تقوم به الهيئات المختصة بشأن المواطنين كهيئة الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس وحماية المنافسة وحماية المستهلك.

أؤكد القول إن مسؤولية كشف المعلومة بدأت تتصادم مع ازدواجية في مثلث "تويتر والمتحدث الرسمي ومدير العلاقات العامة" كل يريد أن يكشف المعلومة بوضوح لتلك المصالح التي هيأت سرعة الوصول إلى المعلومة، ومع تعدد هذه المنافذ وكثرة المسؤولين المتحدثين في أكثر من جهة؛ تاهت المعلومة بين الوزارة وأفرعها أيضا، فهناك متحدث في أقصى الشمال، ومتحدث هنا على سبيل المثال في جهة واحدة وفي مصلحة حكومية واحدة، ولم يعد أمام الصحفي أو المراسل إلا الاجتهاد وسرعة أخذ المعلومة، حتى من حسابات "تويتر"، أضف إلى ذلك أن مراجعة المعلومة من أكثر من مسؤول أسهمت في تخطي البعض الأخطاء، وإنابة البعض في إيصال المعلومة ناقصة، والاتكالية أحيانا تفقدنا الشفافية ثم يأتي بعد ذلك التعقيب الثاني والتصريح الإضافي؛ خوفا من مقولة الازدواجية في تقديم المعلومة بين المتحدث وجهاز العلاقات العامة.

لقد أعجبني توجه بعض الشركات في تخصيص خطوط مباشرة تعمل على مدار الساعة لتأكيد المعلومة والنقل الخبري الموضوعي قبل نشره في وسائل الإعلام، وأرجو أن يتخصص المتحدث الرسمي لأي جهاز في إصدار بيان يومي موثوق على موقعه، أو على موقع الجهاز التابع إليه، ويؤكد فيه حصرية هذه المعلومة والوثوق بها دون الالتفات إلى أي مصدر آخر، وهذا ما حرص عليه مجلس الوزراء عندما أكد على الوزراء أنفسهم بالحرص على تقديم المعلومات والإجابة عن أسئلة الصحفيين مهما كانت لتنوير المجتمع وإيضاح الحقائق للمواطنين، ومع هذا أسمع أنه عندما يتصّل بعض الصحفيين للحصول على المعلومات والبحث عنها والتي قد تفيد الوطن والمواطن، ونجد عفوية التعامل والتراخي والتريث، وربما لهؤلاء عذر وهو التدَّقيق في المعلومة قبل خروجها، لكن الواقع الذي يبحث عنه الصحفي أو المراسل في المدينة أو القرية، هو حرصه على أن يكون على مستوى الحدث من المتحدث، وعلى درجة الوعي بما يقدمه ويوثق خبره حتى لو قام بعرضه على الوزير المختص أو مدير المنشأة التي ينتمي إليها، فالسائل والمسؤول هدفهما وضع النقاط على الحروف، وكشف بعض الحقائق التي يجهلها بعض الناس، وتلوكها الألسن في المجالس.

المعلومة الصادقة حبيسة الأدراج -مع الأسف- تنتظر توقيع المدير أو الوزير حتى يعفي نفسه من المسؤولية، وهنا نقع في الازدواجية والضبابية فيما يتعلق بصدق المعلومة، فأحد هذين المختصيْن يدلي بتصريح والآخر يتبعه بإضافة أو تعليق! فتكون المسؤولية هنا بين المتحدث ومدير العلاقات محددة، عندها تتعدد المصادر ونفقد الهدف المهم؛ وهو الصدق والموضوعية في الرسالة الإعلامية المنوطة بالصحفي.. أليس كذلك؟