91 عاماً مضت منذ إصدار النسخة الأولى من تقويم أم القرى عام 1346هـ، لم يتمكن خلالها كبار علماء الدين وخبراء الفلك في لجان الإشراف على التقويم من إيجاد بدائل لتعذر رؤية الهلال بداية بعض الأشهر الهجرية، حتى بات اختفاء الأهلة لحظة ولادتها لغزا عصيا لم تستطع عيون أشهر الرائين أن تجد له حلا، ولم تتمكن أحدث تلسكوبات مراصد علماء الفضاء والفلك من رصده.
التقويم القمري
يُعتقد أن الحضارة البابلية هي أول من قسّم الأسبوع إلى سبعة أيام استنادا إلى طول الشهر القمري، ثم تبعهم الصينيون فالمصريون القدامى ثم الهنود وتلاهم العرب قبل الإسلام، ونظرا لارتباط الشعائر الإسلامية بالشهر القمري فالحضارة الإسلامية تعد من أشهر الحضارات الحديثة استخداما للتقاويم القمرية.
كي يبدأ الشهر القمري لابد أن يتحقق شرطان أساسيان مهمان هما: حدوث الاقتران (ولادة الهلال) قبل غروب الشمس في مكان الرصد والشرط الآخر غروب القمر بعد غروب الشمس في مكان الرصد.
رصد الأهلة
رصد هلال أي شهر يتم في نهاية الشهر السابق، فمثلا لتحري دخول شهر رمضان، فإن الهلال يُتحرى في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان شريطة حدوث الاقتران قبل غروب الشمس في ذلك اليوم (29 شعبان) وأن يغرب القمر بعد غروب الشمس، وفي حالة عدم التمكن من رؤية الهلال أو عدم تحقق أحد الشرطين السابقين فإن الشهر يُتم 30 يوما.
صعوبات رصد الهلال
يحتاج رصد الهلال إلى خبرة ودراية جيدة، وعلى الراصد أن يعلم أن رصد الهلال من أصعب مهام الرصد الفلكي وذلك لعدة أسباب:
1- موقعه في المنطقة الحرجة للرصد قرب الأفق، أي في منطقة تواجد أكبر كمية من الأتربة والعوالق.
2-قرب القمر الشديد من الشمس بعد الاقتران.
3-خفوت إضاءة الهلال.
هذا بالإضافة إلى عامل الظروف المناخية (سحب ، غبار…الخ) التي قد تؤثر على عملية الرصد.
والأسباب الآنفة الذكر لا يمكن بأي حال من الأحوال تجنبها وهي بالتالي خارجة عن سيطرة الراصد سواء كان هاويا أو محترفا، ومن النقاط المهمة في رصد الهلال والتي يغفل عنها الكثير، أن رؤية الهلال في الغرب لا تحتم رؤيته في الشرق، وإذا شوهد في الشرق فيتوجب رؤيته في الغرب إذا لم يحل حائل كغيم أو غبار.
ولادة الهلال الفلكية
لحظة ولادة الهلال الفلكية
الاقتران" الاجتماع (المحاق):
هي اللحظة التي يجتاز فيها مركز القمر مركز الشمس عندما يكون القمر في المحاق، ويكون الوجه المظلم للقمر هو المواجه للأرض، ولا يوجد أي نور في ذلك الوجه، وهذه اللحظة الكونية واحدة بالنسبة لجميع الكرة الأرضية مع الأخذ في الاعتبار فوارق التوقيت من موقع إلى آخر لا ترى هذه اللحظة من على سطح الأرض إلا في حالة واحدة هي عندما يكون هنالك كسوف كلي أو كسوف حلقي أو كسوف جزئي، ويكون هذا الكسوف مرئيا من على سطح الأرض، وتحصل هذه اللحظة في نهاية كل شهر هجري قمري وبداية الشهر الهجري الجديد ولمعرفة هذه اللحظة لابد من معرفة ثلاثة عوامل وعناصر أساسية هي:
حركة الأرض حول الشمس
حركة القمر حول الأرض
حركة القمر حول نفسه
من خلال معرفة هذه الحركات الثلاثة نتمكن من معرفة اللحظة التي يكون فيها مركز القمر متطابقا تماما على مركز الشمس، ويكون الوجه المظلم للقمر هو المواجه للأرض، وهي لا تحصل إلا في نهاية كل شهر هجري قمري مرة واحدة.
وهي الحد الفاصل بين الشهر الهجري القمري القديم والشهر الهجري القمري الجديد فلكيا. ولهذا يطلق عليها ولادة الهلال الفلكية ( New moon) أو لحظة الاقتران بين الشمس والقمر، بحيث يكون مركز الشمس والقمر على استقامة واحدة، حيث إنها تعتمد على ثلاثة عوامل كونية تحصل بقدرة الله سبحانه وتعالى الخالق المدبر لهذا الكون في لحظة واحدة بالنسبة لمن هو على سطح الأرض، مع الأخذ بالاعتبار فارق التوقيت من موقع إلى آخر.
في تقويم أم القرى "التقويم الرسمي للمملكة العربية السعودية" إذا كانت هذه اللحظة تحصل قبل غروب الشمس في مكة ألمكرمة فإننا نقول تحقق أول الشروط في تحديد بداية الشهر الهجري القمري ولا بد من تحقيق شرط آخر، وهو أن نتأكد أن القمر قد غرب بعد غروب الشمس في مساء ذلك اليوم الذي حصلت فيه لحظة الولادة الاقتران (الاجتماع) الفلكية (New moon) قبل غروب الشمس في مكة المكرمة لكي تقول إن اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري القمري الجديد.
لحظة الاجتياز
إن مرحلة الاقتران (الاجتماع) أو الولادة الفلكية للهلال (New moon) وهي تطابق المركزين لكل من الشمس والقمر، لا تعني تخلـَق النور في القمر بل هي تعني لحظة الاجتياز والعبور الكونية للقمر من الشهر الهجري القمري القديم إلى الشهر الهجري القمري الجديد، وحيث إنه في الشهر الهجري القمري اليوم يبدأ من لحظة غروب الشمس فلابد من تحديد موقع معين على الكرة الأرضية نحدد فيه لحظة غروب الشمس لتتم عملية المقارنة بين اللحظة الكونية لولادة الهلال الجديد فلكيا (New moon) وبين غروب الشمس في ذلك الموقع وموعد غروب القمر في نفس الموقع، وتتم عملية المقارنة وتحديد الشروط والضوابط التي تم تحديدها في تقويم أم القرى وغيرها من التقاويم.
الأسس العلمية الفلكية لتقويم أم القرى
1 ـ اعتماد إحداثيات (خط الطول وخط العرض) للكعبة المشرفة (المسجد الحرام) بمكة المكرمة أساسا لهذا التقويم.
2 ـ أن يغرب القمر بـعد غروب الشمس في مكة المكرمة.
3 ـ أن تكون لحظة ولادة الهلال فلكيا((لحظة الاقتران))((new moon)) قد حصلت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة.
وبناء على هذه الأسس العلمية الفلكية تم إعداد تقويم أم القرى ووضعت الجداول لهذا التقويم من عام 1420هـ إلى عام 1450هـ وتم طبعها في وزارة المالية وتوزيعها في كتاب مجلد في المكتبات العامة ويتطابق مع تقويم أم القرى على هذه الأسس العلمية الفلكية السابقة كل من التقويم القطري (عبدالله الأنصاري) والتقويم الكويتي (د. صالح العجيري).
لتطبيق الشروط الثلاثة السابقة لابد من معرفة :
1 – خط طول الكعبة المشرفة ( المسجد الحرام ) بمكة المكرمة.
2- خط عرض الكعبة المشرفة ( المسجد الحرام ) بمكة المكرمة.
3- معرفة موعد غروب الشمس في مكة المكرمة باستخدام الإحداثيات السابقة.
4- معرفة موعد غروب القمر في مكة المكرمة باستخدام الإحداثيات السابقة.
5- معرفة لحظة ولادة الهلال فلكيا لجميع الأشهر الهجرية القمرية وهذه اللحظة تعد ثابتة وواحدة في جميع الكرة الأرضية.
إذا تم إعداد المعلومات السابقة تتم عملية المقارنة بينهما من حيث:
أولا: إذا كانت لحظة ولادة الهلال فلكيا ((لحظة الاقتران))
لشهر هجري معين تحصل قبل غروب الشمس في مكة المكرمة
في آخر يوم من الشهر الهجري القمري.
ثانيا: إذا كانت لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة من ذلك اليوم تحصل قبل غروب القمر (أي أن القمر يغرب بعد غروب الشمس في مكة المكرمة في مساء ذلك اليوم.
النتيجة:
إن اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري القمري الجديد
ثالثا: إذا كانت لحظة ولادة الهلال فلكيا ((لحظة الاقتران) قد حصلت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة ولكن القمر يغرب قبل غروب الشمس في مكة المكرمة من مساء ذلك اليوم.
النتيجة:
فإن اليوم التالي هو تكملة الشهر الثلاثين يوما (لا يتم إدخال الشهر الجديد في اليوم التالي)
رابعا: إذا كانت لحظة ولادة الهلال فلكيا (لحظة الاقتران):
قد حصلت بعد غروب الشمس والقمر يغرب أيضا بعد غروب الشمس فإن اليوم التالي هو تكملة الشهر الثلاثين يوما (لا يتم إدخال الشهر الجديد في اليوم التالي).
خامساً: إذا كانت لحظة ولادة الهلال فلكيا (لحظة الاقتران): قد حصلت بعد غروب الشمس والقمر يغرب قبل غروب الشمس فإن اليوم التالي هو تكملة الشهر الثلاثين يوما (لا يتم إدخال الشهر الجديد في اليوم التالي).
ولادة الهلال الشرعية
هي وجود الهلال ((القمر)) فوق الأفق بعد غروب الشمس في موقع الرصد ((مكة المكرمة)) وبعد أن تمت ولادة الهلال الفلكية الاقتران ((New moon)) قبل غروب الشمس في مساء ذلك اليوم وهي ما يطلق عليها الإهلال.
ولكي نقول إن الهلال قد ولد شرعيا لا بد من معرفة ما يلي:
لحظة ولادة الهلال فلكيا (New moon).
لحظة غروب الشمس في موقع الرصد والتحري (في مكة المكرمة).
لحظة غروب القمر في موقع الرصد والتحري (في مكة ألمكرمة).
تحديد موقع القمر على الأفق لحظة غروب الشمس (في مكة ألمكرمة).
ارتفاع القمر عن الأفق لحظة غروب الشمس (في مكة المكرمة).
شدة إضاءة القمر لحظة غروب الشمس (في مكة المكرمة).
البعد الزاوي لموقع القمر عن الشمال ( في مكة المكرمة).
البعد الزاوي بين موقع غروب الشمس وموقع غروب القمر في تلك اللحظة في مكة المكرمة.
ومن خلال معرفة هذه العناصر السابقة للحسابات الفلكية وبواسطة الحاسب الآلي "الكمبيوتر" باستخدام معادلات رياضية معينة تأخذ في الاعتبار معرفة حركة القمر حول الأرض، ومعرفة حركة الأرض حول الشمس، ومعرفة حركة دوران القمر حول نفسه.
ويتم التأكد من أن الهلال قد ولد شرعيا من خلال وجود الهلال فوق الأفق بعد غروب الشمس وبعد أن تمت ولادة الهلال فلكيا قبل غروب الشمس في ذلك اليوم.
وهذا ما تم تطبيقه في تقويم أم القرى (التقويم الرسمي للمملكة العربية السعودية) بحيث إنه لا يتم إدخال الشهر الهجري الجديد إلا بعد أن يتم التأكد من أن الهلال قد ولد شرعيا في سماء مكة المكرمة بتحقيق الشرطين التاليين:
أن تكون لحظة ولادة الهلال الفلكية الكونية ((الاقتران)) (New moon) قد تمت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة.
أن تكون لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة قد سبقت لحظة غروب القمر في مكة المكرمة وهذا ما تم تطبيقه في تقويم أم القرى ابتداء من عام 1420هـ.
إشكالية واجهت أحد علماء الدين
حدثت إشكالية لدى أحد العلماء في المملكة، عندما وضع حساباته في تحديد بدايات الأشهر الهجرية القمرية في الأعوام السابقة هو تطبيقه الشرط الأول فقط، وهو أن تكون لحظة ولادة الهلال الفلكية الاقتران ((new moon)) قد حصلت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة، ولم يأخذ في الاعتبار تطبيق الشرط الثاني وهو أن يغرب القمر بعد غروب الشمس في مكة المكرمة، وفي حالة تطبيقه لهذين الشرطين معا سوف تتطابق حساباته مع تقويم أم القرى، وليس شرطا أو صحيحا أنه في جميع الحالات التي تحصل فيها الولادة الفلكية الاقتران ((new moon) قبل غروب الشمس أن يغرب القمر بعد غروب الشمس، وبالإضافة إلى ما سبق هنالك حالات معاكسة لهذه الحالة بحيث تكون لحظة ولادة الهلال الفلكية الاقتران (( new moon )) قد حصلت بعد غروب الشمس في مكة المكرمة ومع ذلك يغرب القمر بعد غروب الشمس في مكة المكرمة، ولهذا تم الإصرار على اعتماد الشرطين الهامين المتلازمين لتحديد بداية الشهر الهجري القمري في تقويم أم القرى وهما:
أولا:
أن تكون لحظة ولادة الهلال الفلكية الاقتران ((new moon)) قد حصلت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة.
ثانيا:
أن تكون لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة قد حصلت قبل غروب القمر في مكة المكرمة،
وهذا يعني أن القمر ((الهلال)) قد وجد في سماء مكة المكرمة بعد غروب الشمس فيها ولو بدقيقة واحدة بعد أن تحقق الشرط الأول حتى نقول إن اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري القمري الجديد.
وفي حالة عدم تحقق هذين الشرطين معا فإننا نجزم بمشيئة الله تعالى بعدم إمكانية الرؤية للهلال في مساء ذلك اليوم في سماء مكة المكرمة أو أي موقع آخر غربت فيه الشمس قبل مكة المكرمة أو تغرب الشمس معها في نفس اللحظة.