بعد أن تتقدم المرأة السعودية لأول مرة بطلب ترشيحها للانتخابات البلدية ستكون قد خطت خطوة إضافية في طريق طويل وشاق، سبقتها فيه النساء في كل أنحاء العالم.
بهذا الطلب ستكون المرأة السعودية قد مهّدت للخطوة التالية، ليس لها كامرأة فحسب، بل للمجتمع السعودي بشكل عام، وسيحظى هذا المسار بترحيب واحتفاء في معظم العالم وفي معظم المجتمع السعودي، وهو بالطبع سيحظى بمعارضة البعض، وسترتفع في طريقه عقبات ومحاولات حرف عن مساره، لكنه سيمضي وسيصل إلى مبتغاه.
قد يكون من الصعب عليّ أن أشعر بمشاعر المرأة السعودية بدقة، وأنا التي عشت هذا النوع من الأحداث كجزء طبيعي من حياتي، فقد درست في مدارس وجامعات مختلطة، وربتني امرأة مهنتها الكتابة، امرأة ترشحت لانتخابات وفازت بها، قدت السيارة وسافرت وحيدة لدول أخرى، وأعيش حاليا في قلب أوروبا، ولكني بالتأكيد أستطيع تلمس هذه المشاعر، وأتضامن معها، وأشعر أن جزءا منها يمسني، فأي حق تناله امرأة في العالم، وأي نجاح تحققه سينعكس تلقائيا على جميع النساء.
إذا أردنا أن نكون منصفين، فهذه الخطوة تأخرت، ولكن كما يقال أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا، وإذا كنا منصفين أكثر فهذه الخطوة لم تبدأ اليوم، وإنما بدأت قبل عشر سنوات، حين أطلق الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- مشروع الابتعاث العلمي الذي شمل حتى الآن 150 ألف طالب سعودي حوالي ثلثهم من النساء.
وقد درست هؤلاء النساء في أفضل الجامعات في العالم، وفي أحدث الفروع العلمية والإنسانية، وقد أنهت كثيرات منهن تعليمهن وعدن ليسهمن في نهضة بلدهن يداً بيد مع الرجل.
فأن تتحدث عن عشرات آلاف النساء اللواتي عشن في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ودرسن في أرقى الجامعات، واطلعن على أحدث العلوم والمعارف، يعني أنك تتحدث عن ثورة اجتماعية شاملة، فالمرأة السعودية التي خاضت هذه التجربة وواجهت كل العقبات التي اعترضتها، وأولها رفض مجتمعها القريب ستكون قادرة على أن تفعل أكثر من ذلك.
فهي تحدت وطلبت العلم في أقصى الأرض، وتكيفت مع مجتمعات غريبة، ولغات وعلوم غريبة، وواجهت في الوقت ذاته رفض عمها أو خالها أو أحد إخوتها، واكتفت بإرادة العلم وبمساندة أب متنور أو زوج مثقف، وعادت لتحدث أثرا في ابنتها وابنة أخيها، وربما في جارتها وقريبتها. وهذا ما نعنيه بعبارة ثورة اجتماعية.
أراهن أن المرشحة الأولى أو الفائزة الأولى ستكون إحدى المبتعثات، فهن من يملكن الصفتين الرئيسيتين لتحقيق هذا الإنجاز: المعرفة والشجاعة. قد لا تفوز امرأة في أول انتخابات بلدية، لكن هذا لا يهم، بل المهم أن المسار قد بدأ والباب قد انفتح، وفي كل دول العالم حدث ذلك، فلم تفز امرأة في أول انتخابات في الولايات المتحدة شاركت فيها النساء، وكذلك في فرنسا وحتى في الدول العربية القريبة، مثل مصر والعراق وسورية، ففي سورية مثلا سمح بمشاركة المرأة بالانتخابات في 1949، ولكنها لم تفز بمقعد إلا بعد مضي 20 عاما.
قد يقلل البعض من أهمية هذه الخطوة، ويعتبر مجرد تأخرها عامل ضعف لها، وأن التأخر حتى عن الدول الخليجية الأخرى يفقدها معناها، ولكني أرى العكس تماما، فهنا تكمن أهميتها، فرغم كل هذا التأخير لم تتحول إلى مطلب منسيٍّ، ولم تدخل في خانة الاعتياد، ورغم تآلف المجتمع السعودي مع قصر الانتخاب على الرجال (وإن كان عمر الانتخاب من أساسه قصيرا ولا يكفي لتثبيت شكل له) وحتى اعتياد العالم والدول المجاورة على هذه الصورة النمطية للمجتمع السعودي، رغم كل ذلك، ما زال المجتمع قادرا على التغيير والتطور، وعدم الركون للعادات الثابتة.
أهنئ المرأة السعودية بهذه الخطوة، وأتمنى على السعوديات أن يستفدن منها لأقصى حد، وألا يمنعهن الخوف من المجتمع والخوف من الفشل من خوض غمارها بشجاعة، مهما بدت فرص الفوز ضئيلة، وأن يدركن أنهن بالترشح والانتخاب إنما يصنعن مستقبلا أفضل لأبنائهن وبناتهن. وسأضرب مثالا آخر من سورية، بلدي، فالتاريخ يذكر حتى الآن السيدة الفاضلة ثريا الحافظ كأول امرأة تخوض غمار الانتخابات، ورغم أنها لم تفز وقتها ولم تحصل على عدد كبير من الأصوات، لكن كثير من نشطاء الحركة النسوية يدينون لها بالفضل لأنها فتحت بابا أتمنى أن تفتحه امرأة سعودية شجاعة.