في ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم، كنا ننام بعد انتهاء أخبار التاسعة مساء على القناة الأولى في التلفزيون السعودي، على درس ليلي لم يتغير على مدى سنوات ولم يغب ليلة واحدة (بالطبع إلى جوار قضية فلسطين) وهو "حرب النجوم" الذي كان معدو ومذيعو ذلك الزمن يضعونه في الموجز الأساسي للنشرة دون شعور بأي ملل من ترديده ليليا على أسماع "الغلابا" الذين لا يريدون سوى معرفة متى يصرف الضمان الاجتماعي؟. ولأن فكرة "حرب النجوم" التي كان بطلها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، مجالها الفضاء، ولأنها ارتبطت في ذهني منذ الصغر بتلفزيوننا (الأبيض والأسود)، فإنها تشابكت في مخيلتي هذه الأيام، مع "حرب الفضاء" العربية التي دشنتها إدارة الأقمار الصناعية المصرية "نايل سات" على بعض القنوات التي صنفتها في خانة" الداعية "للفتنة المذهبية أو الترويج للأدوية الشعبية، أو إباحيتها وتجاوزاتها الاجتماعية". ولعل من الصدف أنني في مقال الجمعة الماضية بهذه الزاوية، كنت أتساءل عن سبب الصمت الرسمي العربي تجاه القنوات التي تحرض على الفتن الطائفية؟. أما وبعد أن كشرت "نايل سات" عن أنيابها التي كثرت الأحاديث حول الأسباب الحقيقية لبزوغها المفاجئ، بعد أن كان عضها على طريقة المص فقط . فإنني أشم رائحة معركة فضائية قادمة، لأن ما حصل يعتبر أكبر خدمة تقدم للقمرين الصناعيين الإيراني والقطري اللذين قرأنا وسمعنا قبل عدة أشهر عن قرب إطلاقهما في الفضاء، في ظل إطلاق يديهما لالتقاط أي قناة شاردة أو واردة أو مغلقة، وخصوصا تلك القنوات التي تعمل عملها في نخر البناء السياسي والاجتماعي العربي والخليجي على وجه الخصوص..! ولا يمكن أن تجد أفضل من القنوات الطائفية التي ستشغل تياراتنا الاجتماعية بالصراع والبيانات والبيانات المضادة، وربما يتطور الأمر إلى الهجوم وتخريب الممتلكات كما حدث لقناة "سكوب" الكويتية هذا الأسبوع. فتبدأ العقول العربية "المبدعة" في ابتكار أساليب "حرب نجوم" على غرار حرب "ريجان" السابقة الذكر، ولكنها بنسخة عربية قبلية/ طائفية، لا تكلف نفسها الذهاب إلى الفضاء والبحث العلمي في إمكانية توظيفه للدفاع عن الأوطان كما كان يخطط الرئيس الأمريكي الأسبق. بل المساءلة أبسط من ذلك بكثير، فكل ما يلزم محاربي الفضاء، التوجه بحشود بشرية مدعومة (بكم سكين وكم عصا وإذا لزم الأمر فأس حادة)، إلى القناة "العدو" وتكسير رؤوس القائمين عليها، ثم تحطيم جميع معدات البث، والعودة إلى "الديار" وسط أهازيج و"شيلات" وزغاريد الانتصار، والنوم بهدوء استعدادا لمعركة الغد، اقتداء بأجدادنا "العظماء" الذين خلدوا "داحس والغبراء" وجعلوها من الإرث التاريخي "المشرف".