قبل يومين كنت مارا بالصدفة بجوار مدرسة بنات في مدينتي أحد المسارحة، فاستوقفني رسم على جدار مدخل بوابتها لامرأة مغطاة بالعباءة السوداء بالكامل وبطريقة تشبه تكفين الموتى إلى حد بعيد، وإلى جوارها يدٌ تمسك جوهرة مضيئة، وكُتب على اللوحة "أختاه.. باحتشامك أنت كالدرة المصونة".
تأملت في حالة التناقض الغريبة في اللوحة الجدارية، التي تدعو إلى تغطية المرأة وعزلها عن العالم، في الوقت الذي كانت فيه الدرة مكشوفة تضيء ما حولها بجمالها الأخاذ! فكيف تكون المتوشحة بالسواد درة مكنونة مضيئة؟ أي ضحكة مغفلة هذه التي يحاول تمريرها هذا الفكر الطارئ المرتبك؟!
قلت في نفسي إن مثل هذه الطرق الدعائية الدعوية المتهالكة، التي كرستها مرحلة الصحوة، هي ما يجعلنا ننتقص من المرأة ونرى فيها فردا ليس مؤهلا بما يكفي للثقة والشراكة الاجتماعية، وبالتالي فإن أحكامنا على تصرفاتها عادة ما تكون جلفة وقطعية ولا تقبل النظر، وأفعالها منقوصة حتى وإن كانت متجاوزة لفكر ذكوري أبله أحيانا.
نفعل ذلك ونبرر لهذا الفعل ببعض المديح المغلف، وتزيين الكلمات المُدغدغة على شاكلة؛ المرأة هي الأم والزوجة والأخت والشريكة ونصف المجتمع والدرة المكنونة و... دون أن ترى ما يدعم كل تلك الشعارات المنمقة، في حالة بغيضة من الاستغلال للعلاقة الإنسانية مع المرأة! إذ في أول وأصغر اختبارات الفعل تسقط تلك الشعارات سقوطا مدويا، بل ويتعمد البعض افتعال ما يؤيد فكرته ولو كذب وادعى.
وفي نفس اليوم قرأت المادة المنشورة في "الوطن" عن ما حدث من قرارات مجحفة في حق مديرة ووكيلة ومشرفة النشاط في مدرسة الظبية الثانوية للبنات، على خلفية قيامهن بترتيب زيارة إلى مقر إمارة جازان، وهي أعلى سلطة في المنطقة! وكأن الخبر يؤكد استفهاماتي أمام جدارية الدرة المصونة.
وتساءلتُ ما المعيب أو الشبهة في زيارة فتيات إلى مقام إمارة منطقتهن؟! وما المشكلة أن تنظم مدارس البنات زيارات كهذه لمقرات وزارات ودوائر حكومية أخرى؟! وما الخطأ في ذلك؟!
ثم فوجئت كغيري من المتابعين بازدواجية خطاب إدارة تعليم صبيا وتصريح رئيسها بخصوص ما سُمي بـ(القضية)!!
والتي جاءت متتالية على النحو التالي نصاً في خطاب موجه بتوقيع مدير التعليم بمحافظة صبيا، د/ عسيري حويس، ونشرته "الوطن" يوم أمس الأربعاء جاء فيه: "إن مدير التعليم وبموجب الصلاحية الممنوحة له...، وبعد اطلاعنا على محضر اللجنة وما تقتضيه المصلحة التعليمية بشأن قضية مدرسة الظبية الثانوية للبنات عليه اعتمدوا التالي: 1- إنهاء... 2- إنهاء...، 3- إنهاء....، 4- تكليف...".
ضعوا خطا تحت (قضية مدرسة الظبية الثانوية للبنات)، ثم قال في تصريحه لصحيفة "الوطن" المنشور يوم الثلاثاء 25/8/2015م، العدد 5443. "الزميلات في الظبية لم يقترفن جريمة كما يظهر من حجم التساؤلات التي طرحت"، وحديثه هذا كان موجها لمحرر الصحيفة. ليعود قائلا: "إذا انتهت مدة التكليف فليس لزاما على الإدارة تجديده عندما ترى أمرا آخر".
وأقول له: يا سعادة مدير تعليم صبيا الموقر، هل ما حدث هو قرار في قضية، أم هو انقضاء لمدة تكليف مبرمج مُسبقا؟ فالاقتباسات أعلاه لا تبدو متجانسة أو متصالحة مع بعضها سيدي الكريم، وليس من العدل أن تترك الشارع فريسة للحيرة والتأويل.
قد لا يحتاج المحقق أو القاضي إلى خمسة أشهر وإلى خمس جلسات تحقيق لكي يبت في قضايا إجرامية بشعة، فكيف إذا كانت (القضية) بلا قضية أصلا -وأضعها بين هلالين تحفظا على وصفها بالقضية-، فكيف إذا كانت (القضية) من النوع الذي يمكن تصنيفه في خانة "أي كلام"، في ظل وجود مخاطبات سابقة بين المدرسة وأولياء الأمور وإدارة التعليم.
في هذه (القضية) نحن بحاجة إلى المصارحة ووضع النقاط على الحروف، لا إلى تنميق العبارات وإلى الكلمات، فإما أن تؤكد إدارة التعليم المخالفات القانونية على السيدات الثلاث وطالباتهن وإصدار عقوبات رادعة، أو أن تتقدم باعتذار رسمي للمتضررات من معلمات وطالبات ثانوية الظبية يحفظ لهن شيئاً من التقدير الذي صادره قرار قاسٍ ذات شكوى، وسيكون ذلك شجاعة كبيرة تُحسد عليها إدارة تعليم صبيا، بل وأتمنى اعتذار الوزارة إن تطلب الأمر.
والله المستعان.