من حيث ما يممت هذه الأيام يمنة أو يسرة فستجد الانعكاس السلبي على البورصات وأسواق الأسهم المحلية والإقليمية والدولية، إما بسبب تدهور أسعار النفط أو بسبب خفض الصين لقيمة عملتها (اليوان)، ولأننا جزء من هذا العالم فإننا سنكون -بلا شك- ممن ينعكس عليهم هذا التحول السلبي، خاصة لاعتمادنا الكبير في دخلنا الوطني على النفط، وهذا هو ما يتجلى هذه الأيام على شاشات سوق الأسهم السعودية التي تشهد "احمرارا" مستمرا، بل إن كثيرا من المحللين في أسواق المال يتوقعون أن وتيرة الهبوط والتراجع في البورصات متجهة إلى القعر في معظم الأسواق التي هي -بشكل أو بآخر- مترابطة بحيث تؤثر وتتأثر، وهذه هي حقيقة امتدادات آثار انخفاض أسعار النفط التي لم تقتصر آثارها على المملكة ودول الخليج، بل طالت الأسواق الدولية والحال كذلك مع الإجراءات النقدية الصينية التي لم تقتصر في تأثيرها على الصين وحدها، بل أثارت الهلع في غيرها من الأسواق بحكم التماس المباشر بين الأسواق العالمية.
لكن الذي يلفت النظر هو حملة التشاؤم والتشكيك والتخويف الذي تولت كبره مجموعة من الذين بسطوا آراءهم عبر وسائل التواصل أو من خلال شاشات التلفزيون أو كتابة المقالات التي تنشر المخاوف من المآلات والنتائج الكارثية التي ستصل إليها أوضاعنا الاقتصادية هنا في المملكة نسبة لرؤية وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية التي عدلت نظرتها المستقبلية للمملكة من مستقرة إلى سلبية بسبب تراجع أسعار النفط وزيادة الإنفاق بما سيزيد عجز الميزانية التي سيؤدي تمويلها إلى تآكل في الاحتياطات المالية الضخمة للمملكة.
ولا شك أن الكلام السابق حقيقة واقعية بما يوجب علينا مواجهتها من خلال التكيف معها وترشيد أساليب الإنفاق والهدر غير الأساسي.
لكنني مؤمن أن هذه الأزمة سحابة تجلل سماءنا حينا من الزمن ثم ستنقشع.
أكثر ما حفزني لكتابة هذا المقال هو الفرح الذي طغى على كثير من إخواننا العرب من كارهي وحاسدي هذه البلاد وأهلها، والذين دبجوا المقالات ردحا وشماتة بنا وتهويلا وتخويفا مما سنلقاه في قابل أيامنا من زهد وتقشف، وقد تناسى عرب الشمال أننا قد عشنا أياما وشهورا وسنين بيع فيها برميلنا النفطي بثمانية وعشرة واثني عشر دولارا، ومعها كانت عجلة تنميتنا تدور وتصعد في مدارج التطور، ورغم كل التدني الذي تعرض له نفطنا إلا أنه لم يحل بيننا وبين إعادة الحق لأهله في الكويت، وقبلها في الحرب العراقية الإيرانية، وسيكون الحال كذلك ونحن نصحح أوضاع إخواننا في اليمن.
وسنقول لكل من تسعدهم أزماتنا إن رصيدنا القومي والإسلامي والاقتصادي لا يتضعضع لأن هذه القيم لا تنهار.
على أن النبراس الذي يجب أن نستضيء به في مسيرتنا المالية الحالية هو قوله تعالى في سورة يوسف:
(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ).. ففسرها يوسف عليه السلام: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ).
.. وهكذا فلا خوف علينا لأن كثيرا مما حصدناه خلال ازدهار أسعار النفط قد بقي في سنبله إلا ما قد أكلناه وما أنفقته الدولة في مشاريعها، لكن ما زال في الاحتياط الكثير مما سنتحصن به خلال الفترات القادمة قد يستمر فيها تدني أسعار النفط.