المعارضون ومنهم بعض الشرعيين ينسون سريعا؛ وكيف يتذكر من يعيش في الحياة منعما لا يُدرك للمرارة طعمها؛ ولعلي أذكرهم اليوم بقصة المسنة السعودية التي هزت مشاعرنا جميعا؛ تعيل خمس بنات يتيمات ومنهن مطلقات وزوجة ابنها المتوفى وأطفالهن؛ كلهن نساء لكن الفقر جعل منهن متسولات على أبواب الجمعيات الخيرية وصدقات المحسنين؛ هل تذكرتموها: إنها صاحبة القول الشهير "إن كان عندهم لحم حمار .. يعطوني وأسكت اللي عندي !" .
وأتساءل لو تذكر هؤلاء المعارضون الشرعيون قصة هذه المسنة، وهي نموذج للعديد ممن لا عائل لهن، ولم يكملن تعليمهن؛ ويسكنّ الأحياء الشعبية في المدن التي يسكنها هؤلاء المعارضون؛ أقول لو تذكروها هل سيعارضون عمل بناتها المطلقات في وظيفة "كاشيرة"!؟ أليس ذلك أجدى من أن يتسولن لحم حمار ليأكلنه مع أطفالهن!؟ وأسألهم :ما الأكثر ضررا فتنة الاختلاط المتوهمة!! أم فتنة الفقر والجوع الكافر الذي قد يدفع الفقيرات للحرام!؟ ولعلي أذكر هنا قصة واقعية لامرأة سعودية كتبت عنها أولى مقالاتي بالوطن؛ كنتُ قابلتها منذ سنوات خلال زيارتي لبريمان سجن النساء بجدة أثناء عملي تحقيقا صحفيا لجريدة الشرق الأوسط؛ تذكرتها خلال موجة هذه المعارضة؛ لأن ريال فول جرّها بعد أن طلقها زوجها وكان تزوجها قاصرا وحرمها التعليم ثم رماها وأطفالها الثلاثة دون نفقة ولا عائل لها؛ وحين جاع صغارها ذات صباح وقد تراكمت الديون على رأسها؛ ولم يرض بائع الفول أن يهبها صحن "فول" إلا بالريال؛ كان هذا الريال سببا لأن تركب أول سيارة تقف لها وهي تمشي يائسة، مقابل بضع مئات من الريالات الحرام حتى قُبض عليها وسُجنت!؟ فالجوع كافر أيها المعارضون!! وانظروا ماذا فعل ريال الفول!؟
ولكن فيما يبدوأن المعارضين الشرعيين نتيجة انشغالهم بالدورات الدعوية المدفوعة الثمن؛ وازدحام وقتهم باللقاءات المتلفزة لم يسمح لهم بأن يتجولوا في الأحياء الفقيرة في المدن التي يسكنونها!! وخوفهم من الاختلاط بالنساء الفقيرات منعهم من اكتشاف بيوت من لا عائل لها إلا الله والضمان الاجتماعي "الحيلة"!! ونتيجة لذلك ينطلقون في معارضتهم من عملية تنظير ونظريات اجتماعية مثالية بعيدة كل البعد عن أرض الواقع!! وهو متوقع ممن يرتدون المشالح المقصبة؛ ويركبون السيارات الفخمة وحساباتهم البنكية ممتلئة من تجارة ما أسموه بالسلع الإسلامية !؟ إنه أمر متوقع ممن تتعلم بناته في مدارس خاصة، وتسكن زوجاته البيوت الملك ؟!ولم تجرب نساؤه يوما الحاجة ؟! ولهذا لا أستغرب معارضتهم إلى حد الضرر بمصالح الآخرين بالمقاطعة والتسفيه كما فعلوا مع "بندة" لمنع المرأة "الكاشيرة "بحجة"حراسة" الفضيلة من "فتنتها" ونسوا حمايتها من"فتنة " الجوع!! فالمرأة لديهم أهون أن تكون متسولة في الشوارع بين الرجال وليس ذلك باختلاط؛ لكن أن تعمل كاشيرة فذلك أم الاختلاط!؟
أخيرا؛ لهؤلاء بما أنه ليس لديكم الوقت الكافي للنزول إلى الأحياء الشعبية واكتشاف الفقيرات؛ أضع لكم رابط المسنة التي نقلت قناة الإخبارية ذات مرة قصتها والنساء في بيتها الفقير؛ ربما تشعرون قليلا بأن فتنة الجوع أشد ضررا من وهم الاختلاط!
http://www.youtube.com/watch?v=Tha0CPR3GZs&feature=related