في زمننا المتسارع في كل الاتجاهات يقترب تعداد الشباب في العالم اليوم من تعداد دولة مثل الهند أو الصين، وبحلول عام 2025م سيصلون إلى مليار وثلاثمائة مليون نسمة، أو أقل قليلا، ووطني اليوم يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة السكان دون 29 سنة بواقع 13 مليون شخص من الجنسين، وبنسبة 67 % من التعداد السكاني.
ومنذ عام 1999م، نصّت الأمم المتحدة على أن الثاني عشر من أغسطس من كل عام يوم عالمي للشباب للاحتفال بهم، إيماناً بالدور المهم الذي يلعبونه في مجتمعاتهم احتفل العالم فيه وأقام برامج وورش عمل وأياما شبابية.. مطعمة بلقاءات مع مسؤولين وباحثين لتناول مستقبل الشباب تحديدا حول محور "إشراك المواطنين الشباب" كأمر ضروري لتحقيق تنمية بشرية مستدامة.
ولست أبالغ هنا أسفا إن أشرت إلى أن اليوم العالمي للشباب لدينا مرّ الأسبوع الماضي مرور الكرام، ولم يحظ بالاهتمام اللائق، بل كان مغيّبا عن الأنظار والأسماع، فلم نرَ خبراً ولو على استحياء عن هذه الاحتفالية العالمية بالشباب وعن الشباب!.
وفي المنعطف نفسه يعيدنا هذا إلى الدعوات "المكرورة" من الباحثين والكتاب والمثقفين لدينا عن ضرورة وضع إستراتيجية متكاملة حول التنمية المستدامة بالشباب وعبر الشباب، وضرورة إشراكهم وانخراطهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بمشاركة فعالة وحقيقية.. تصل فيما هو قادم إلى جعلهم شركاء في اتخاذ القرارات والسياسات وصناعة المستقبل لأن الاستثمار في الشباب وصناعة الشباب هو الاستثمار الحقيقي لكل أمة تتطلع إلى التقدم والرقي والنهوض في عالم بات متغيرا متسارعا تسعى فيه كل دولة إلى إثبات نفسها وتأكيد تقدمها وقوتها وثرائها وسيادتها وصولا إلى رفعة شعبها بالأخذ بيد أبنائها وشبابها إلى المجد والعلياء.
صناعة الشباب مهمة الدولة والمؤسسات التربوية والمجتمع.. نصطنعهم لأنفسنا ومجدنا، لحاضرنا ومستقبلنا، وإن لم تبادر دولتنا اليوم بتحمل مسؤولياتها والتزاماتها تجاه الشباب، لاسيما وأن كثيراً من وزاراتنا ومؤسساتنا التربوية وجامعاتنا لم تنجح في احتوائهم وإدارة طاقاتهم الكامنة وتوجيهها حسب استعداداتهم واتجاهاتهم وإعدادهم وتأهيلهم للدور المأمول فلا ريب أننا نخاطر بمستقبلهم، ونزيدهم يأسا وإحباطا ونفورا، وكأننا نفتح لهم الأبواب واسعة لتتخطفهم اليوم "عبودية" التكنولوجيا، ومغبات الفراغ والبطالة.. وصولاً إلى جماعات التطرف والإرهاب الفكري والمعنوي الذي ذهب بعض شبابنا فيه وقودا مستعرا، وجذوة مشتعلة هنا وهناك.. وينقلبوا علينا بدلا من أن يكونوا لنا سندا ومنعة وقوة.. ثم نلوم أنفسنا.. علامَ فرطنا ولم قصرنا في شأنهم؟
الشباب ليسوا هم المشكلة، ولكن المشكلة تكمن في عدم استطاعتنا أن نحمل هم اهتماماتهم ونجاريها، وليكونوا بذلك أصحاب هم ويحققوا من خلاله أهدافهم، فهم يحتاجون إلى تحويل اهتماماتهم إلى مشاريع دون وصاية أو تبعية، فالشباب ثروات حقيقية للأوطان وأهمية الاهتمام بهم تنبع من قدرة هذه الشريحة على العطاء والإنتاجية، كما أن الفشل في إشباع احتياجاتهم واتجاهاتهم يؤثر سلبا عليهم وعلى المجتمع ككل لأنهم أكثر فئة في المجتمع عرضة للضغوط واستجابة للصراعات والتوتر الاجتماعي، وشبابنا متى ما منحوا فرصة بدءا من المنزل والمدرسة والجامعة والمجتمع ومسؤوليه ووزرائه وقيادته، وذلك بالاحتواء والنظر في احتياجاتهم ومتطلباتهم، والأخذ بأيديهم ومنحهم الثقة الكاملة وتشجيعهم، وإعطائهم الفرصة لإثبات الذات بدحض ما يثار من وصمهم بأنهم مدللون واتكاليون إحباطا لهم وتهاونا بهم، فإن طاقاتهم الكامنة تبدأ في الظهور، وتنعكس على ترسيخ مفاهيم التنمية الاجتماعية والمواطنة الحقة، يثبت ذلك ما وجدناه في عدد كبير من أبنائنا عندما تم ابتعاثهم، ووجدوا الفرصة كاملة من التقدير والتربة الخصبة المناسبة في دول الابتعاث؛ تميزوا بقدراتهم وإبداعهم ليس على المستوى الأكاديمي فقط، بل على المستويات الاجتماعية والثقافية.. فسطروا لنا كل يوم خبرا مضيئاً عن هذه النماذج المشرفة.
بقي أن نطالب اليوم بمشروع بحجم الوطن والانتماء وفورة الشباب ومساحة تغشاها الآمال والتطلعات لسبر خارطة عقول شبابنا و"تأمينها" وإعدادهم وتأهيلهم وصناعتهم في كل أطراف الخريطة وما بينها من جسد الوطن وفق جدول أعمال وإطار زمني واضح المعالم، وإستراتيجية مستدامة وموحدة بعيدة المدى ومستدامة، ليشارك كل شباب وطني في كل مدينة وهجرة في الاهتمام والتنمية وصنع القرار بكل ثقة وتواشجية مع قيادتهم، فما أجمل أن يصبح في وطني فراشات جميلة حينما نطعم يرقاتها، وليس عندما نلصق أجنحة فوقها!