يقول عنه معلمه بالأمس، ونحن بضعة آباء أمام الطابور المدرسي الأول لهذا العام في مدرسته المتوسطة: هذا واحد من أذكى وأنبه الطلاب الذين مروا علي خلال 23 سنة من العمل التربوي الميداني. تأملوا جيداً هذا الطالب الألمعي وهو يقولها لي من باب خلط المزح بالجد: (يا بوخالد.. ما كان ممكن خمس قذائف على المنسك "حارتنا" حتى تقرر الوزارة دراستنا عن بعد....). والخلاصة المرة: إذا كان هذا الشعور تجاه المدرسة يأتي من فم طالب استثنائي متفوق فماذا سيقول آلاف الباقين الذين يسحبون أرجلهم بكراهية إلى طابور اليوم من المدرسة؟ هنا، وفيما يلي سأتبرع بخمس قذائف في وصف اليوم الأول من المدرسة:

الأولى: أن الإعلام والأسرة والمجتمع أصبحوا شركاء حقيقيون في تكريس كراهية المدرسة. نحن في بحر الأسبوع الأخير الماضي من الإجازة نتداول آلاف المقاطع والأفلام القصيرة عن كابوس اليوم الأول من المدرسة. الثانية، هي قذيفة البيئة المدرسية. غادرت طابور المدرسة صباح الأمس مودعاً صغيرنا "خلدون" في فصل مدرسي لا يملك فيه من مساحة الحركة سوى أقل من متر مربع، حتى فسحته المدرسية القصيرة يقضيها في "سيب" ضيق يجبره أن يقف على قدميه لنصف ساعة. لديه حصة رياضة واحدة طوال الأسبوع وعلى فصله أن ينقسم إلى فريقين وكل فريق يتكون من عشرين طالباً وسيكون ابني محظوظاً جداً إن استطاع ركل الكرة لمرة واحدة في الحصة الوحيدة.

القذيفة الثالثة، تكمن في المنهج: عاد إلينا "خلدون" عند الواحدة ظهراً وهو يحمل على ظهره 19 كتابا مدرسيا مقررا، هذا وهو لم يشتر بعد بقية الحسبة من الدفاتر. أكتب لكم هذه "القذيفة" وأمامي على ذات الطاولة مقررات الصف الأول المتوسط ولو أنكم امتحنتموني فيها لاحتجت إلى شهرين لقراءتها وإلى ستة أشهر لمحاولة اجتياز اختباراتها، ومع هذا سيظل من أقدار "خلدون" أن يتجاوزها في ظرف أربعة أشهر، هنا ندخل للقذيفة الرابعة: من متوسطة "خلدون" ذهبت مباشرة إلى ثانوية "محمد" مبنى عصري في أطراف ذات الحارة تم استلامه منذ عامين. لكن السؤال: من هو الذي وقع على أوراق المبنى من مقاول لم يكمل بلاط الملعب المدرسي وغرفة المقصف وتجهيزات مختبر العلوم؟ من هو الذي استلم أوراق المبنى وفي ذهنه أن المدرسة مجرد مساحة متر مربع لمكان الطاولة والكرسي؟ ومن هو الذي قتل بتوقيعه ما تبقى من الكماليات الأساسية ليوميات طالب في مدرسة؟ القذيفة الأخيرة والخامسة: من هو الذي أوصلنا إلى هذا القصور الفاضح في المبنى والمنهج والبيئة المدرسية للحد الذي يتمنى ألمع طالب في المدرسة سقوط بضع قذائف كي يدرس عن بعد.