تدبج اليوم في الصحف الغربية والعربية تقارير تتوالى عن الأوضاع المالية التي تمر بها السعودية، ونفاجأ بتحليلات تذهب بنا يمنة يسرة، يحار المرء غير المتخصص فيها، فالشائعات وصلت إلى الرواتب التي هي عماد الطبقة الوسطى، وأساس معيشتها، لتضاء الأنوار الحمراء أمام كثير من المواطنين الذين ضربتهم الحيرة.
الحقيقة أن سكوت الجهات المسؤولة، إن كانت وزارة المالية أو غيرها، حيال هذه الشائعات التي تعصف بنا هو سكوت غير مبرر، والمعلومة الآن تتلقى من جهات عديدة، وكثير منها مغرض للأسف الشديد، والفضائيات تعج بأولئك الكارهين لوطننا، والحاسدين على النعمة التي أفاء الله بها علينا من أمن وأمان ورغد عيش، ورغم كل ما قدمناه لبلدانهم للأسف، لا يزال البعض يتمنى -حسدا- زوال النعمة عنا، فتراه يكتب متشفيا اليوم كما يفعل عبدالباري عطوان وغيره من الشانئين.
كم أتمنى أن تنشئ الوزارات المعنية جهات رصد ومتابعة، ومن ثم تقوم بالإيضاح للمواطنين أولا فأولا عن المستجدات التي تحصل. لا بد من ناطق رسمي أو جهة ما تتبع هذه الوزارات كي تدحض هذه الشائعات التي تروج في أوقات الحروب والظروف الصعبة، أو حتى تؤكدها ولكن بطريقة فيها تحليل وإيضاح للحقائق، فحتما نحن لا نريد الحقائق على طريقة الستينيات الميلادية، كما سجل التأريخ تلك الفضيحة على الإعلام المصري والإذاعي الشهير أحمد سعيد إبان حرب 67، حيث زيف الوقائع، في وقت كان لا يملك المواطن العربي مصدرا للمعلومات سوى تلك الإذاعة المصرية ذائعة الصيت "صوت العرب".
أكتب لكم، وبين يدي رسائل أتلقاها من الأصدقاء في مجموعات "واتسأب"، أقتطف لكم منها مباشرة تقريرا في رسالة واحدة، أنقلها حرفيا كما جاءتني كي تصل لكم رسالتي من هذه المقالة:
-الريال السعودي ينزل لأدنى مستوى له أمام الدولار، ومخاوف من اقتراب إفلاس السعودية بسب سحب السندات الاحتياطية من البنوك.
- استعدوا للتقشف فالعجز بلغ 560 مليار ريال.
- خبراء دوليون يحذرون من أن السعودية لن تستطيع دفع رواتب موظفيها في حالة هبوط النفط إلى 30 دولارا.
- توقعات بنزول البترول إلى 15 دولارا بعد استئناف إيران تصدير بترولها.
هذه عناوين رسالة "واتسأب" متداولة أتتني اليوم، مع مصادرها بالطبع، وبالتأكيد ستروج الآن بطريقة "المتتالية الهندسية" لتصل إلى الملايين خلال 24 ساعة، وحتما ستشكل رأيا عاما خلال فترة وجيزة، وستلغط بها المجالس في طول البلاد وعرضها بما حدث معي هذا اليوم مع الزملاء، وللأسف يتكلم في أمثال هذه المواضيع العامي والجاهل وغير المتخصص ونصف المثقف، وتسمع أعاجيب وغرائب من تلكم التحليلات التي لا تخطر على بال إنسان، بل لا يجرؤ جهابذة الاقتصاد على قولها أو الاقتراب منها، ولكنها السيرورة المجتمعية الدائمة في هكذا ظروف ومجالس، وهو المتوقع.
بكل أسف انتقل بعض هذا إلى الصحف، فقد أرسل لي خبير نفطي متخصص، ومستشار لوزير النفط -متهكما علينا معاشر الإعلاميين- مقالة لأحد الزملاء البعيدين عن هذا التخصص، يتحدث في مقالته عن شأن نفطي واقتصادي خاص، ولم أملك إلا أن أسكت ضاربا كفا بكف، إذ كيف لي أن أدافع عن الخطأ. لا يليق أبدا أن نخوض في شأن ليس بتخصصنا كي لا نزيد الأمر ضغثا على إبالة، من حقنا أن نطرح الموضوع على شكل تساؤل نطلب فيه رأي المتخصصين والمسؤولين، ولكن أن نبدي آراء جازمة في قضية ليست في تخصصنا أبدا، كما نفعل في المجالس أو بعض الصحف، فهذا لا يليق علميا ولا مهنيا، ومن جهة أخرى سيزيد مشكلة الشائعات والتخرصات، وهذه قضية ينبغي تصحيحها.
لا يدحض كل هذه التقارير والشائعات اليوم سوى وزارتي المالية أو البترول، عندما ينبري متحدثها -بشكل دوري ودائم- في الفضائيات والصحف ويتكلم بحقائق وأرقام، ويطمئن المجتمع بأننا بخير إن شاء الله، أو حتى لو كان ثمة هبوط أو تراجع في الأداء الاقتصادي، وهو متوقع بسبب الحرب العادلة في اليمن، أو عودة إيران للتصدير، وبقية تلك الأسباب، يوضح ذلك للمجتمع بطريقة بسيطة وسهلة الفهم، عند ذلك تتبخر الشائعات لتحل الحقيقة ناصعة، ونقطع الطريق على كل مغرض يريد الوقيعة بين المواطن وقيادته.
ولنفرض أن ما قيل في تلك التقارير صحيح، وأن أمامنا أياما صعبة، وعهد الطفرة انتهى، وسنأتي لمرحلة شد الحزام، فمن حق الدولة أن يتفهم المواطن طبيعة المرحلة المقبلة، كي يلتحم معها في برامجها التقشفية، وكذلك كي يتهيأ هذا المواطن للآتي، ويتحوّط من الآن، عبر الادخار وعدم السرف والكماليات والسفريات السياحية التي أتت على مدخراتنا.
ربما في مرحلة البترول ذا الـ8 دولارات، وقتما عصفت بنا تلك الأزمة، لم تخبر الدولة مواطنيها بما تمر به، ولم نشعر كثيرا بها، والحمد لله نهضنا بعدها بقوة، ولكن في تلك الفترة لم يك "تويتر" ولا انفتحت السماء علينا بهذه الفضائيات التي تمطرنا بتقاريرها التحريضية، وعليه فمن الضروري أن تكاشف الدولة اليوم مواطنيها، وأثبتت الأحداث والتاريخ دوما وقوف المواطن مع قيادته، وقد عبرنا أزمات قاسية وعديدة.
الشفافية اليوم تقطع الطريق على الحاقدين، وتبث الوعي في المجتمع، وتساند الدولة في أزمتها المالية.