الأمثال الشعبية أحد أجناس الأدب التي ترافق الحياة الثقافية للأمم الإنسانية بمختلف دياناتها وأعراقها وألوانها وفلسفاتها، إذ لا يكاد يخلو مجتمع من تكرارها. فالمثل عصارة تجارب حياة السلف ليصل إلى خلفهم مختصرا مسجوعا يتضمن معنى ساميا عميقا.

وللأمثال الشعبية علاقة راسخة بالأسلوب البلاغي، وليس بعيدا عن الحق من رأى خروج الأمثال الشعبية من معطف أساليب الكناية البلاغية. كما طرأت على الأمثال الشعبية كثير من التغيرات نتيجة تجدد دماء السيرورة التاريخية في الرقعة الجغرافية الواحدة، وكما ارتبطت الأمثال بوجه مباشر بالحكمة والفلسفة، فقد ارتبطت ارتباطا وثيقا مع الكناية البلاغية أو"الصورة الإشارية" كما يسميها بعض النقاد.

ولا يساور القارئ الكريم شك بما تضفيه الكناية من جمال إبداعي على المعنى المراد إيصاله إلى نفوس المتلقين. كما أن الكناية هي إحدى "الفنون الجميلة التي تمس حياة الناس وأذواقهم وتطورهم الثقافي والاجتماعي، وهي تحتاج إلى حسٍّ لغوي مرهف ذكي، يختار المعنى ثم يخفيه مشيرا إليه بأحد المعاني المنبثقة منه، المترتبة عليه، اللازمة له لزوما منطقيا أو عرفيا أو ابتكاريا من صنع الفنان نفسه" كما يرى أحمد مطلوب.

وفيما يلي تبيان وتجلية للكناية في مجموعة أمثال شعبية انتقيتها من كتاب أحمد السباعي "الأمثال الشعبية في مدن الحجاز".

ففي قولهم في المثل الشعبي "زي الجراد" كناية عن كثرة الشيء وانتشاره. وفي قولهم "زي الورد" كناية عن شدة الجمال. وفي قولهم "زي الطبلة منفوخة على الفارغ" كناية عن الغرور بالمظهر؛ فالطبلة كبيرة الحجم لكنها جوفاء مفرغة. ومن طريف أمثالهم "سكتنا له دخل بحماره" ويراد به التمادي في التصرفات بلا حسبان للعاقبة. وفي قولهم "سيد القوم خادمهم" كناية عن القيمة الثمينة للتواضع. كما تتجلى الكناية في أهمية روح التعاون ومنه قولهم "شيّلني وأشيّلك". ومن جميل قيمة الشورى قولهم "شاور كبيرك وشاور صغيرك وارجع لعقلك".

أما في المثل "صاحب صنعة أحسن من صاحب قلعة" كناية عن بركة اليد العاملة. أما الكناية عن سوء العاقبة ففي قولهم "صام وأفطر على بصلة". وفي قولهم "ضربتين في الرأس توجع" كناية عن دور الاستفادة من التجارب؛ فمن الغباء التعثر بالحجر نفسه مرتين. أما المثل "الطشاش ولا العمى" يرمي إلى أن البركة في القليل، ووجوب الرضا بالمقسوم وإن قلَّ عدده. وفي قولهم "طولة البال تهد الجبال" كناية عن لذة الصبر. أما كنايتهم عن سوء المآل ففي قولهم "طول غيبته وجانا بخيبته" ويتقاطع معنى هذا المثل مع قصة صاحب خفي حنين. وفي قولهم "على عينك يا تاجر" كناية عن ترك المبالاة برأي الناس. وفي قولهم "العاقل من يعتبر بغيره" كناية عن أهمية النظرة الثاقبة في الحياة. وفي قولهم "العجلة من الشيطان" كناية عن سوء اتخاذ القرارات بلا تأنٍ. أما قولهم "العز بعد الوالدين هوان" ففيه كناية عن بركة وجود الوالدين. "على قد زيته سرج له" يرمي إلى إنزال الناس منازلهم.

بما تقدم من أمثال، استخلصت أن لها علاقة وطيدة بموضوع الكناية؛ فكلاهما يجليان المعنى بطريقة تتواءم والمثل العربي"أعنيكِ أنتِ واسمعي يا جارة" فيضرب المثل نصا يتبادر ذهن المتلقي إلى المعنى الآخر المدرج ضمن نسقه.