غدا يعود الطلاب إلى المدارس وقبل أن يبدأ العام الدراسي بأسبوعين، بدأ تداول معلومات عن إجازة اليوم الوطني التي توافق العيد، ولن تكون هناك إجازة خاصة لها، وعن طول الإجازة التي تليه.. ترى من يهتم سنويا بحساب عدد الأيام المتبقية على عام لم يبدأ بعد، وكأن الإجازة عند كثيرين غاية وحيدة حتى من اليوم الوطني؟! هذه المعلومات وغيرها من معلومات تكشف أن موقفنا من الدراسة يتلبسه الملل والإحباط عند كثرة من المعلمين والمعلمات والطلبة والطالبات!
أما من خارج منظومة التعليم، فيغلف هذه المعلومات حسد معلن ممن يغبط المعلمين على نعم الإجازة. سأناقش ثلاثة محاور: رؤيتنا إلى الإجازة، ونظرتنا للتعليم، ودورنا السلبي في حركة التعليم كأفراد نمثل المجتمع في حركة الوعي.
الواضح من رؤيتنا للإجازة أنها تشكل في وعينا وثقافتنا الغاية التي نسعى إليها من التعليم، فنحكم على وزير بكمية الإجازات التي يمنحها لنا، ونحن نتعلم لنحصل على إجازة كمكافأة، فما قيمة الإجازة المضافة لحياتنا عدا ما تحمله من راحة أو ترفيه كما يحدث عند بقية البشر الجادين في حياتهم؟ الإجازة تبقي على وتيرة الفوضى غير الخلاقة التي غلبت على كثير من بيوتنا، وتمثلت في السهر طوال الليل والنوم طوال النهار، وأسهمت في خلق فجوة بين أفراد الأسرة بعضهم بعضا، خاصة العاملين وغيرهم.
اختفت من حياتنا الوجبات الصحية التي تجمع الأسرة، وفقدت الأمهات رغبتهن المعتادة في تقديم الوجبات التي بردت، وأصبح بديلها الجاهز هو الأكلات السريعة غير الصحية من المنزل أو خارجه التي يتناولها جيل تفشت في صحته أمراض الشيخوخة لسوء تسيير حياته.
في مدرستي القابعة في حي يمثل تنوعا ثقافيا عربيا وغير عربي، تواجهنا مشكلة تدني صحة الطالبات كنتيجة لسوء التغذية وسوء نمط الحياة الذي يجعل عددا كبيرا من الطالبات لا ينمن إلا بعد عودتهن من المدرسة، وتكون فترة دوامهن بالصف هي آخر فترة النشاط في يومهن المصنوع، ويبقين يغالبن النوم طيلة يومهن! وحتى مدارس الأولاد النوم "سنة مؤكدة" فيها.
وربما سمعت هذه الأيام من الطلبة أو الطالبات حديثا يحمل مقاومة وممانعة أو استنكارا من الذهاب إلى المدرسة في الأسبوع الأول، وكأن من المفروض الغياب لا الحضور!
لنخلص إلى نقطة مما سبق، وهي أن الراحة والفوضى هما الغايتان اللتان تسيطران على وعينا المجتمعي برغم صيحات تطالب بفتح المدارس حتى تعود إلى البيوت حياتها المنضبطة؛ لاحظوا أن هذه الصيحات التي ترتفع من حناجر الأمهات غالبا لا تحمل نظرة للتعليم أكثر من كونه ضابط إيقاع! وهذا ينقلنا إلى المحور التالي وهو: كيف ننظر إلى التعليم؟
التعليم كشهادة، والتعليم للتفوق، والتعليم لاكتساب مهارات الحياة.. أي هذه الأفكار الثلاث يشغل ذهنك عزيزي القارئ ويصنع الفرق؟ لا شك أن نظرتنا للتعليم تختلف باختلاف نظرتنا إلى قرار افتتاح فصول لتحفيظ القرآن الكريم؛ الفكرة التي وقف أمامها المبتهج والمعترض والمشكك والصامت؛ ولنعترف اليوم أن الوزير عزام الدخيل يواجه ما لم يواجهه وزير سابق إلا الدكتور الرشيد -رحمه الله- الذي عانى الأمرين حين قرر أن يطور التعليم.
التعليم للشهادة أو التفوق ودخول الجامعة في الداخل والخارج يجب أن يكون هدفا ثانويا لهدف أسمى وهو أن يصنع التعليم الفرق في حياة الطالب، فليس الهدف من معرفة الأبجدية إلا أن نقرأ بها؛ التعليم رسالته الأهم أن يتمكن الطالب من التعاطي الإيجابي مع الحياة؛ فتحول المدرسة بين الطالب والجهل وتمده بالمعرفة والعلم، وبنظرتنا الإيجابية هذه نساعد المدرسة لتكون بيئة مناهضة للسجون "افتح مدرسة تبن وعيا وتغلق سجنا"، وقد لا يكون السجن هنا بمعناه المعروف، بل سجن الأفكار المتحجرة والسوداوية التي تصنع المجرمين أو المرضى لاحقا في كل مجتمع.
ليكن التعليم مطلبا للجيل كما كان لنا -حين كنا طلابا- لآبائنا وأمهاتنا.
افتقاد الدافعية بحجة أن المدارس سيئة قاد إلى ازدهار التعليم الأهلي، التعليم الذي يمتلك أحيانا مزايا تتفوق على التعليم العام، وأحيانا أخرى لا يفوقه إلا بالدرجات العالية فقط!
إذن، غاية التعليم -الغائبة عنا- هي أنه يصنع الإنسان العملة الصعبة التي تجد لها مكانا ومطلبا في الوطن أو خارجه..
من المزعج أن يكون عدد من الشباب معطّلا عن الحياة، رافضا للعمل يعجز عن أن يكون كجده الأمّي الذي كان يبحث عن لقمة العيش بشرف وكفاح، ومن المخجل أن تتخرج طالبة من أرقى مراحل التعليم وهي عاجزة عن إدارة شؤون حياتها الخاصة.
المحور الثالث، دورنا السلبي في الحركة التعليمية -نحن المتعلمين- مع من حولنا ويتمثل في أننا لا نزرع الدافعية للمعرفة والتفوق في الحياة التي زرعها جيل الآباء والأمهات، بل قد نشكل إحباطا متتاليا حين نؤكد لهم أن الشهادة لا قيمة لها، أو أنهم لن يجدوا وظيفة في نهاية المطاف، أو نسهم في التسرب الدراسي والغياب المستمر.
أخيرا، إن لم ندرك مع مطلع العام الدراسي أننا نريد أن يتخرج أبناؤنا منه بأفكار أو مهارات أفضل، فلن ينفعنا أبدا طول الإجازة التالية له.